دخلت إلى المستشفى لإجراء عملية ربط معدة كانت قد أجرتها قبلها صديقتان لها، وعلى الرغم من أنها كانت تخاف من العمليات إلاَّ أنَّ الطبيب أخبرها أن نسبة نجاح العملية هو 100%، وأنَّ إجراءها سهل ولن يتطلب منها إلاَّ البقاء بضعة أيام داخل المستشفى، وأن لا خطر في هذا النوع من العمليات، إلاَّ أنَّ الخطأ الطبي ألحق أذىً بها وبعائلتها التي كانت تعيش حياة سالمة هانئة.
الإفرازات تسربت إلى الرئتين والكلى
يخبر زوجها بصوتٍ حزين متأثر، فالموت غيَّب حبيبته وصديقة عمره وأم أولاده بعد زواج دام 17 سنة، قائلاً: “كنت خارج لبنان يوم اتصلت بي قائلةً إنها ترغب في إجراء عملية ربط معدة، فنصحتها بعدم القيام بها، واعتقدت أنها اقتنعت، ثمَّ عادت لتخبرني بعد فترة أنها ستدخل المستشفى. ذهبت إلى هناك وخضعت في اليوم الأول إلى العملية، وخرجت منها إلى غرفتها. في اليوم التالي، كان على الطبيب المشرف أو الطاقم الطبي إجراء صورة أشعة scanner خلال 24 ساعة على حصول العملية، إلاَّ أنَّ ذلك لم يحصل. وبعد مرور يومين على حصول العملية الأولى قرَّر الطبيب أن يخضعها لصورة شعاعية، إلاَّ أنَّ المفاجأة كانت في حدوث إفرازات داخل الأمعاء تسربت إلى الرئتين والكلى ما أدَّى إلى حدوث التهاب، وهو نوع من التسمم الذي لا علاج له. فطلب الطبيب الذي أجرى العملية الأولى أن يجري عملية ثانية كي يتمكَّن من تصحيح ما أفسده في الأولى. فأجريت العملية الثانية، وفي هذا الوقت اتصل أهلها بي وأخبروني بالقصة، فسافرت فوراً إلى لبنان وطلبت نقلها من المستشفى الأول إلى مستشفى آخر بشكل عاجل. خرجت زوجتي من المستشفى الأول وكان قلبها ضعيفاً، وضغطها والكلى بحالٍ يرثى لها. وتبيَّن لي من التقارير الطبية أنَّ قلبها كان قد توقَّف مدَّة 10 دقائق”.
استمرار المعاناة
ويتابع: “وصلنا إلى المستشفى الثاني فطلب الطبيب هناك إجراء عملية، وهذه العملية كانت الثالثة التي يجب أن تخضع لها، فتمَّ استدعاء طبيب جراح من خارج المستشفى، لتصحيح أخطاء العمليات السابقة فوجد أنَّ ما من أمل بذلك، والتصحيح مستحيل، وقال لي: إنَّ وضع زوجتك “صفر”، وعلينا أن نحارب ونقاتل كي نصل إلى ما نسبته 10% من التحسُّن”. وأخبرني أنَّه إذا أجرى العملية أو لم يجرها فهذا لن يفيدها بشيء ولن يبقيها على قيد الحياة. وأعلمني أنَّ الطبيب في المستشفى الأول قام خلال العملية الأولى بفتح ثغرة في القسم الأعلى من المعدة، وخلال العملية الثانية قام بتسكير القسم الأعلى، وإحداث ثغرة في القسم الأسفل منها. لافتاً إلى أنَّ ما رآه يشير إلى أنَّ إحدى الكبسولات التي ربط بها الطبيب الأول المعدة قد سقطت من مكانها”. ويضيف: “في المستشفى الثاني الذي كنت قد طلبت نقلها إليه، بقيت إلى جانبها مدَّة 17 يوماً، كانت خلالها نائمة جراء المخدِّر الذي كانوا يعطونها إياه كي لا تشعر بأوجاع وآلام العمليتين السابقتين داخل معدتها. ولكنها لم تتمكِّن من رؤيتي أو معرفة أنني كنت بقربها وإلى جانبها طوال هذا الوقت. غريبةٌ هي صدف الحياة، كنا متزوجين مدَّة 17 عاماً وبقيت إلى جانبها 17 يوماً، وكأنَّها مشيئة القدر. وطوال ذلك الوقت، كنت أخبر الأولاد بأنَّ حال أمهم الصحية ليست جيدة، إذ لم أرغب في أن أعطيهم آمالاً زائفة، ولم أكن أريد أن يأتي خبر وفاتها كالصاعقة عليهم وأن يشكل لهم صدمة غير متوقعة”.
حقي لدى القضاء
لم يتمكَّن الزوج من الخروج من المنزل الذي كان يقيم فيه في قريته طوال 3 أشهر من فقدان زوجته، التي تركت له طفلين خسرا أمهما جراء خطأ واستهتار طبي. إلاَّ أنَّه عاد واستجمع قواه بعد مدَّة وأقام دعوى على المستشفى والطبيب بعد أن تمكَّن من جمع الملفات والأدلة. يقول: “وصلنا في الدعوى إلى ما نسبته 40% منها، وتمَّ استدعاء الطبيب، وبين تحقيق واستئناف، يبقى أملي بالقضاء اللبناني كبيراً، فهو الكفيل في أن يأخذ حق زوجتي وحق أولادي وحقي”.
عذاب لا أتمناه حتى لعدوي
وعن الفقدان والعذاب والوحدة يخبر قائلاً: “لا تسأليني عن العذاب، هذا الألم لا أتمناه حتى لعدوي. أفتقدها كثيراً، ولا أدخل منزلي في بيروت إلا في ساعات الليل المتأخرة، لا يمكنني أن أدخل والبيت فارغ، وصورها وأغراضها موجودة في كل مكان، وثيابها لا زالت في الخزانة. وأولادي قمت بتسفيرهم إلى الخارج حيث أعيش، هم كانوا معها دوماً، ومتعلقون جداً بها، والفراق كان صعباً كثيراً عليَّ كما عليهم، فقد كانت “كل الحياة” بالنسبة إلي وإليهم. الآن بتنا مقرَّبين جداً من بعضنا، على رغم وجودي في لبنان إلاَّ أنني أتواصل معهم بشكل يومي. وبعد خسارتهم والدتهم ازداد خوفهم عليَّ الآن أكثر، فكل يوم يتصل إبني بي ويقول لي “خلِّص قضية الماما وتعال إلى هنا بسرعة، لا تبقى في لبنان أكثر”.
وبعد سؤاله إذا ما كان يلوم زوجته على اتخاذها هذه الخطوة التي أودت بحياتها، يجيب: “ألوم نفسي إذ كنت مسافراً وتركتها تجري العملية، وأحياناً ألومها لأنها خسرت حياتها، وخسرت عائلتها، كنا فرحين ومرتاحين. إلاَّ أنها رغبت في إجراء العملية ومفاجأتي بمظهرها الجديد عندما تأتي لتقلني من مطار بيروت إذ كنت آتياً إلى لبنان بعد مدَّة قصيرة من إجرائها العملية، ولكنَّ المفاجأة كانت معاكسة، وغير متوقعة، وحزينة”.