تعرضت اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجى الى هزة وإن تباينت وفقا لقدراتها الإنتاجية وإمكاناتها لامتصاص هذه التداعيات وذلك فى ضوء ما شهده الربع الأخير من العام الحالى من انخفاض غير مسبوق فى أسعار النفط بعد أن وصل سعر البرميل من مزيج برنت إلى ما دون مستوى 85 دولارًا للبرميل قبل أن يشهد تعافيًا نسبيًا ليصل إلى 87 دولارا للبرميل، وقد تخطى الانخفاض الأخير حاجز الـ«20 دولارًا» فى البرميل الواحد مقارنة بالأسعار فى بداية العام التى تجاوزت الـ 115 دولارا للبرميل بفعل الاضطرابات فى العراق وليبيا، وبذلك تبلغ نسبة الانخفاض حوالى 25٪.
—————–
وخطورة هذا التطور مرتبطة بأن قطاع النفط يشكل ما يقرب من نصف الناتج المحلى لدول الخليج مجتمعة ٪ 49 ، وتمتلك هذه الدول أكبر احتياطى نفطى عالمى يقدر بـ486.8 مليار برميل بما بعادل ٪ 35.7 من إجمالى الاحتياطى العالمى من النفط وما نسبته 70 ٪من إجمالى الاحتياطى العالمى لأوبك والأهم من ذلك فإن موازنات الدول الخليجية تعتمد بشكل كبير على سعر برميل النفط فى احتساب موازناتها العامة، حيث يحدد سعر البرميل ما إذا كانت الموازنة ستحقق فائضًا أم عجزًا فى نهاية السنة المالية وكانت السعودية الأعلى بين دول الخليج فى تقدير سعر النفط فى موازنتها العامة عند 90 دولارا للبرميل، بينما قدرته الكويت عند 70 دولارا للبرميل وقطر عند 65 دولارا للبرميل.
ومن خلال التقارير الرسمية المتاحة فإن الكويت هى أكثر الاقتصاديات الخليجية تأثرًا بانخفاض أسعار النفط إلا أن الموازنة الكويتية تتمتع بأمان نسبى نظرًا لأن سعر البرميل المعتمد للموازنة هو 70 دولارًا، أما قطر فإنها برغم اعتمادها على النفط بنسبة كبيرة فإن اقتصادها قد شهد نموًا كبيرًا خلال الخمس سنوات الأخيرة على مستوى القطاعات غير النفطية حيث سجلت معدل نمو سنويا مركبا يصل إلى ٪18 فى السنوات الخمس الأخيرة، إضافة إلى التقدير المنخفض لسعر البرميل فى الموازنة القطرية «65 دولارًا».
وتبدو المملكة العربية السعودية أكثر الدول عرضة للتضرر حيث تتمتع بوضع خاص بين دول الخليج نظرًا للعدد المرتفع نسبيًا للسكان الأمر الذى يصعب من خطط تقليص الإنفاق الحكومى مقارنة بسائر الدول، إضافة إلى التقدير المرتفع لسعر البرميل فى الموازنة السعودية «90 دولارًا» الأمر الذى يجعلها أكثر عرضة للاضطراب بانخفاض أسعار النفط.
على ذات الصعيد تتمتع الإمارات بأمان نسبى عن تقلبات أسعار النفط بسبب تنوع موارد الاقتصاد حيث تعتمد الإمارات على عائدات النفط بنسبة لا تزيد على 33٪ إضافة إلى انخفاض تقدير الموازنة الإماراتية لسعر البرميل عند 75 دولارا فقط.
وتحذر تقارير من الانخفاض التدريجى للفوائض النقدية فى موازنات دول الخليج، وتبدو السعودية هى المتضرر الأكبر حيث توقعت أن ينخفض الفائض المالى للموازنة السعودية إلى ٪ 2.5فقط من إجمالى الموازنة خلال عام 2014 الأمر الذى قد يتطور إلى حدوث عجز بالموازنة ربما خلال عام 2015 وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولى إذا استمر الانخفاض دون مستوى 89 دولارًا للبرميل.
وعلى الرغم من ذلك تتمتع دول الخليج وخاصة السعودية بفائض كبير فى موازناتها السابقة قد يتيح لها الإنفاق على مشروعات النمو الاقتصادى خلال الأعوام التالية بفرض استمرار الانخفاض فى أسعار النفط، على المدى المتوسط والطويل قد تكون هذه الدول فى حاجة إلى صناعة شيء من التوازن فى مواردها عبر الاهتمام بتعزيز الموارد غير النفطية حيث حذرت وكالة ستاندرد آند بورز العالمية فى تقريرها الأخير عن اقتصاديات دول التعاون من أن اعتماد الحكومات الخليجية على إيرادات النفط والغاز يشكل نقطة ضعف رئيسية لاقتصادات وتصنيفات هذه الدول، وبالتالى يشكل مخاطر ائتمانية.
ووفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولى فى التقرير الصادر مطلع الشهر الحالى فإن متوسط معدلات النمو المتوقعة لدول الخليج خلال العام القادم سوف تدور حول 4.5 ٪ ولكن التقرير قد حذر فى الوقت ذاته من تأثير الانخفاض المستمر فى أسعار النفط على معدلات النمو فى المستقبل.
وإن كان مسئولو هذه الدول يرون أن الانخفاض الحالى فى أسعار النفط لن يؤثر بشكل كبير على اقتصادياتها وعلى رأس هؤلاء وزير البترول السعودى على النعيمى الذى استبعد أن يشكل انخفاض أسعار النفط مشكلة كبيرة على الاقتصاد السعودى خاصة فى ظل استعداد المملكة لتحمل انخفاض أكبر فى الأسعار فى مقابل الحفاظ على معدل الإنتاج والحصة السوقية بينما يؤكد وكيل وزارة الاقتصاد محمد بن عبد العزيز الشحى أن انخفاض أسعار النفط لن يضر بالناتج المحلى الإماراتى خلال العام الحالي، مشيرًا أن النفط لا يمثل سوى 30 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى للإمارات، موضحًا أن اقتصاد الإمارات أضحى أكثر تنوعًا.
وتوقع بشير الكحلوت، الخبير الاقتصادى بمنطقة الخليج ومدير مركز البيرق للدراسات، أن تدخل بعض الدول الخليجية وابرزها المملكة العربية السعودية فى دائرة العجز بسبب الهبوط الكبير فى اسعار النفط بحلول عام 2015 معربا فى الوقت نفسه عن ثقته بأن مشروعات البنية التحتية فى دول التعاون وعلى الأخص فى قطر والكويت لن تتأثر بالعام الجارى حيث بدأت تلك الدول فوائضها المالية فى تلك المشروعات وخصوصا قطر بمشروعات مونديال2202وأضاف الكحلوت: إن قطر والكويت ستظلان متمتعتين بفوائضهما المالية ما لم يلامس النفط مستوى الـ 75 و65 دولارا حيث إن موازنة تلك الدولتين تحسب عند سعر 65 و75 دولارا للبرميل .
ومن جانبه، توقع على العنزى المحلل الاقتصادى للاستشارات المالية الإسلامية بأسواق الخليج أن تضطر دول مجلس التعاون إلى السحب فى الفترة القادمة من احتياطيات الصناديق السيادية اذا ما استمر نزيف اسعار النفط لفترات طويلة.
وبدوره يقول أحمد حسن كرم الخبير الاقتصادى والنفطى بالخليج: ربما كان تحفظ بعض الدول الخليجية فى احتساب اسعار برميل النفط لموازناتها كالكويت وقطر والإمارات مثلا خير قرار تحسبا لمثل هذه الظروف فعلى الرغم من انخفاض الأسعار الحالية فإن تلك الدول الثلاث ستحقق الفوائض المالية مادامت اسعار النفط اعلى من الـ 75 و65 دولارا ولكنها من الطبيعى أن تكون أقل من العام الماضى مضيفا: لو أردنا ان نتوقع مستقبل أسعار النفط للفترة المقبلة فإننا نراه سيرتفع مرة أخرى مع دخول موسم الشتاء حيث يزداد الطلب على وقود التدفئة وعودة معظم المصافى لعملياتها التشغيلية. ولكن هذا اذا ما تدخلت عوامل أخرى تؤدى الى انخفاض اسعار النفط اكثر مما هى عليه الآن.
وعلى الجانب الإيراني، نقل موقع وزارة النفط على الإنترنت عن نائب وزير النفط والعضو المنتدب لشركة النفط الوطنية الإيرانية ركن الدين جوادى قوله: إن هبوط أسعار النفط لن يدوم طويلا ومن المستبعد أن يضر بميزانية البلاد، على النقيض من ذلك جاءت التصريحات السابقة لوزير النفط الإيرانى «بيغن زنغنة « مطلع الشعر الجارى أكثر تشاؤمًا حيث طالب بيغن الدول الأعضاء فى أوبك بالقيام بجهود مشتركة لمنع المزيد من الانخفاض فى أسعار الخام داعيًا فى الوقت ذاته الدول الأعضاء فى أوبك أن تعمل على ضبط الإنتاج لتفادى زعزعة استقرار الأسعار أكثر من ذلك.
وحسب منظور المسئولين الخليجيين فإن السبب الرئيسى للانخفاض الكبير فى أسعار النفط يعود إلى الارتفاع الحاصل فى سعر صرف الدولار حيث يقيم النفط بالدولار، متوقعين أن تتحسن الأسعار نسبيًا لتصل إلى مستوى بين «90-95 دولارا» مع دخول فصل الشتاء تزامنًا مع زيادة الطلب على الوقود لأغراض التدفئة.
ولكن هناك عدة عوامل قد تؤشر إلى استمرار أسعار النفط فى الانخفاض أهمها تمسك دول أوبك بحصتها الإنتاجية إضافة إلى الزيادة المتوقعة فى الإنتاج من ليبيا والعراق إضافة إلى الدول غير الأعضاء فى أوبك، بينما توجد عوامل أخرى تؤشر إلى انخفاض الأسعار على رأسها الارتفاع المتوقع فى الطلب نتيجة دخول فصل الشتاء، إضافة إلى التوجه المتوقع للولايات المتحدة لخفض سعر الدولار تجنبًا للعجز المرتفع فى الموازنة «زيادة سعر الدولار تعنى انخفاض الصادرات وزيادة الواردات» بعد أن تنهى مغامرتها العقابية تجاه الجانب الروسي، إضافة إلى كون الانخفاض الكبير للأسعار سيدفع الدول التى تتحمل تكاليف الإنتاج المرتفعة إلى خفض إنتاجها مما قد يتسبب فى انخفاض ملحوظ فى كمية المعروض مصحوبًا بارتفاع الأسعار من جديد.