في وقت غلب الترقُّب الحذِر لما ستفضي اليه المساعي الجارية لإطلاق حوار بين «تيار المستقبل» و«حزب الله»، برزت ملامح توتر جديد في الواقع الأمني اللبناني من شأنها ان توفّر عاملاً آخر من عوامل تبرير هذا الحوار الذي ينظر كثيرون بعين الشك الواسع في جدواه.
ذلك ان قضية العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى تنظيميْ «داعش» و«جبهة النصرة» عادت الى الاحتدام والتوهّج تحت وطأة تهديد أهاليهم المعتصمين في وسط بيروت بتصعيد واسع اعتباراً من اليوم بقفل الطرق والمداخل المؤدية الى وسط العاصمة اللبنانية بما يرافق ذلك من اختناقات مرورية وشلّ للحركة العامة. وقد حدد الأهالي موعداً اخيراً لانذارهم بالتصعيد على اثر الصدمة التي أثارتها عملية تبادل الأسير من «حزب الله» عماد عياد مع أسيرين لديه للجيش السوري الحر قبل ثلاثة ايام.
وبدت الحكومة اللبنانية محرجة للغاية بهذا التطور الذي أضاء على واقع تفلُّت اي تنسيق بين خلية الأزمة الوزارية المختصة بملف المخطوفين العسكريين و«حزب الله» الذي تمكّن من تحرير أسيره بمقايضة سريعة فيما يتعذر حتى الآن على الحكومة القيام بالمثل لاستعادة العسكريين لاعتبارات متعددة.
وتخوّفت أوساط وزارية عبر صحيفة «الراي» الكويتية من ان يفاقم هذا التطور الضغوط الهائلة التي تتعرّض لها الحكومة لحملها على تقديم تنازلات موجعة في المفاوضات التي يتولاها الوسيط السوري المكلف من قطر مع الخاطفين والذين قد يستغلون ما جرى لرفع مزيد من الشروط التعجيزية في وجه الحكومة إمعاناً في توظيف نقاط الضعف لدى الجانب اللبناني التي برزت أخيراً.
كما ان جانباً آخر من الارباكات برز في معطيات أمنية تشير الى تخوُّف من تحركات إرهابية جديدة كان من معالمها الواضحة الكشف عن وجود مطلوبين أساسيين من رموز التنظيمات الارهابية في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا (الشيخ احمد الاسير وشادي المولوي وربما الشيخ خالد حبلص وآخرين) الامر الذي فرض توجيه إنذار واضح من فرع المخابرات للجيش في الجنوب الى المسؤولين الفلسطينيين في المخيم بوجوب التعاون مع الجيش لتسليم هؤلاء. ولاحظت مصادر معنية بالملف الأمني عبر «الراي» ان الكشف عن وجود مطلوبين أساسيين في مخيم عين الحلوة جاء مع تصاعد السباق مجدداً بين الاجراءات الاحترازية التي يستمر الجيش اللبناني في تنفيذها في مختلف المناطق وبين المعطيات التي تتوقّع عمليات او محاولات اختراقات جديدة للتنظيمات الارهابية سواء على بعض نقاط الحدود اللبنانية مع سورية او في الداخل.
ولعل ما أثار مزيداً من التساؤلات القلقة حول الوضع الأمني هو توجيه الخارجية الاميركية تحذيراً جديداً لرعاياها من السفر الى لبنان، عازية هذا التحذير الى «استمرار المخاطر الأمنية في هذا البلد والخوف من هجمات انتحارية وعمليات خطف». ولكن المعلومات التي توافرت في هذا الصدد أشارت الى ان هذا التحذير جاء في اطار تحديث روتيني يتصل بالتوجه لكل الرعايا الأميركيين في المنطقة ولم يتأتَ عن تطورات معيّنة مرتقبة في لبنان.
وفي اي حال يشير الرسم البياني للواقع الأمني الى انه سيشكل الخلفية الأساسية لتحريك الحوار بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» فيما يُستبعد في الوقت الحالي على الاقل ان يصل هذا الحوار الى حل للمسألة السياسية الأساسية المتمثلة بأزمة الفراغ الرئاسي في لبنان. وتبعاً لذلك قالت مصادر بارزة في قوى 14 آذار لـ «الراي» ان هذا التحالف لن يقف حجر عثرة امام هذا الحوار بل جرى التوافق بين كل مكونات 14 آذار على تغطيته وعدم عرقلته على قاعدة إظهار حسن النيات واختبار الفريق الآخر اي «حزب الله» مجدداً في ما يمكن ان يذهب اليه من تسهيلات وتنازلات او عدمه.
واذ أبدت هذه المصادر شكوكها المسبقة حول استعدادات الحزب للوصول الى موقف متقدم في هذا الملف اقله قياساً للحسابات والمواقف التي تسود واقعه الراهن، أعربت عن اعتقادها انه سيكون من المبكر توقُّع اي خرق سريع في الحوار حول الأزمة الرئاسية قبل مضي جولات عدة منه ومعرفة الحد الادنى من السقوف الضمنية التي رسمها الحزب لنفسه في هذه التجربة وما اذا كانت هذه السقوف تتجاوز التقديرات المسبقة لها. وهو الامر الذي قوبل من فريق 14 آذار ومن «تيار المستقبل» نفسه بعدم إسباغ توقعات مضخمة على الحوار وإدراجه في اطار شديد الواقعية تجنباً لأي مضاعفات سلبية في حال ثبوت عدم استعداد الحزب لتجاوز أطر محددة لهذا الحوار الذي من المتوقع ان ينطلق في مرحلته الاولى برئاسة كل من نادر الحريري، مدير مكتب الرئيس سعد الحريري والمعاون السياسي للأمين العام لـ «حزب الله» الحاج حسين الخليل.
وكان لافتاً في غمرة التحضيرات لجدول أعمال الحوار وآلياته، تكرار السعودية عبر سفيرها في لبنان علي عواض العسيري تأييدها لأي حوار يجمع بين اللبنانيين «وحبذا ان يشمل كل الافرقاء (مسيحيين ومسلمين)»، معلناً «واثق من ان الخلافات ستكون كثيرة ولكن هناك اولويات للحوار واذا وُضعت ومن ضمنها ملف الفراغ الرئاسي فهذا سيخدم لبنان»، وفاصلاً بين موقف الرياض من «حزب الله» ومطالبتها بإدراجه على لوائح العقوبات للتنظيمات الارهابية على خلفية مشاركته في الحرب السورية وبين مقاربتها لحوار «المستقبل» مع الحزب «فما يجري خارج لبنان امر مختلف عن الشأن اللبناني»، ومعتبراً ان «الأولوية للمسيحيين في اختيار رئيس الجمهورية المسيحي».