بقلم رولان خاطر
لم تكن مسألة الحوار التي طرحها “حزب الله” وتلقفها الرئيس سعد الحريري بشروط محددة، وبالتأكيد على ثوابت 14 آذار، بعيدة عن التطورات الاقليمية والدولية. فقد بات مؤكداً أن المواقف والمبادرات الأخيرة التي راجت في لبنان عشية المفاوضات بين إيران والغرب ارتبطت بالأجواء التي أشيعت عن احتمال التوصّل إلى اتّفاق في شأن الملف النووي الإيراني أو بالحدّ الأدنى تحقيق اختراق ما على هذا المستوى، ما يبدّل المعطيات السياسية كافة، ويخلط الأوراق في منطقة الشرق الأوسط، والتي بطبيعة الحال سيكون لها تبعاتها على لبنان. من هنا، كانت لهجة الرابية التصعيدية، إن على مستوى الذهاب إلى المجلس الدستوري للطعن بالتمديد، او “الغزل المبطّن” باتجاه معراب في خطوة حاول من خلالها العماد ميشال عون استعادة سيناريو الـ1989، عندما تعاون مع “القوات اللبنانية” لإسقاط مخايل الضاهر. وانطلاقاً من المعطيات نفسها، كانت مسألة الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”.
إذا، مع التمديد لمفاوضات فيينا إلى تموز 2015، عادت الأوراق لتُخلط من جديد إقليمياً ومحلياً. ففيما بات واضحاً أن الإدارة الأميركية بقيادة باراك أوباما تحاول تمرير الوقت إلى حين الانتخابات الرئاسية الأميركية بأقل خسائر ممكنة على الساحة الشرق أوسطية، خصوصاً أن استراتيجية أوباما تجاه المنطقة، وبالتحديد التساهل مع الأزمة السورية، لم تؤد فقط إلى كسر هيبة “القوة العظمى” في العالم، لا بل فرضت معطيات يترتب على العهد الأميركي الجديد مواجهتها بكثير من الحزم، وربما بالقوة أحياناً، وفي طليعة هذه المعطيات توسع انتشار التنظيمات الارهابية، التي تهدّد بشكل أو بآخر، وعلى المدى المتوسط والبعيد مصالح واشنطن والغرب، إضافة استمرار بقاء النظام السوري البعثي في الحكم.
ويقول مطلعون على أجواء مفاوضات النووي الايراني إن الغرب وإيران لهما مصلحة بتمديد المحادثات، بمعنى أن التمديد لن يقتصر على تموز 2015، بل سيتكرر إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. فأوباما لا يريد توجيه ضربات الى إيران كما التزم تجاه إسرائيل في حال إعلان فشل المفاوضات، كما أن إيران تستفيد من هذا التمديد لجهة تخفيف العقوبات عليها وعدم العودة الى العقوبات السابقة المشدّدة، والدليل الإفراج عن 700 مليون دولار للسلطات الايرانية.
إذاً، ما انتهت إليه نتيجة المفاوضات النووية أعاد التوجّس إلى الساحة الداخلية اللبنانية، أمنياً وسياسياً.
على الصعيد الأمني، يتخوّف القيّمون على القرار اللبناني من انعكاس الوضع الاقليمي المتشنّج نزاعاً أو فوضى أمنية على الساحة الداخلية اللبنانية، وبالأخص بعد ورود تحليلات لم تستبعد ان يكون بشار الأسد وفريقه السياسي يحاولان مجدداً تفجير الوضع في لبنان وتحويله إلى ورقة رابحة لديهم، وقد يكون لقاء وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع رموز فريق 8 آذار في السفارة السورية عقب عودته من زيارة لموسكو، تصب في إطار توجيه رسائل شديدة اللهجة الى حلفاء الأسد على الساحة اللبنانية. ناهيك عن التحذير الذي جدّدته السفارة الأميركية إلى رعاياها بتجنب الدخول إلى لبنان خوفاً من أيِّ تفجيرات وأعمال إرهابية.
لكن قد لا تأتي “حسابات الحقل السوري مطابقة لحسابات البيدر الايراني”، لأن أيّ تفجير أمني واسع بقيادة “حزب الله” لا يمكن أن يكون من دون مباركة “الجمهورية الاسلامية”، علماً ان الحزب يحاول قدر الإمكان عدم الدخول بطريقة مباشرة في أي تفجير أمني في لبنان، نظرا لحالة الاستنزاف التي يعانيها في سوريا، إضافة إلى تقارير عن وجود خبرائه في العراق واليمن والبحرين.
وربما في هذا الإطار، تصبّ حركة الرئيس نبيه بري الذي حاول تعبيد الطريق امام حوار بين “القوي السنّي المعتدل”، و”القوي الشيعي المتشدّد”، في مسعى سباقي بين محاولات لملمة الوضع الداخلي حتى لا يتأثر بالوضع الاقليمي، وبمحاولات تفجير الوضع داخلياً من قبل البعض، وخصوصاً القلّة المرتبطة بالنظام السوري، بالتزامن مع عودة الحديث عن المخيمات الفلسطينية، وورود تقارير عن تحضيرات لمعركة قد يُستجرّ الجيش اللبناني إليها، تنطلق من عين الحلوة.
أما سياسياً، وفيما لم يعارض الرئيس سعد الحريري أيّ حوار ثنائي مع “حزب الله”، بغياب رئيس الجمهورية الذي يترأس طاولة “هيئة الحوار الوطني”، شدد على ضرورة أن يكون الحوار مع الحزب يحمل نتائج لمصلحة لبنان، ومنها انتخاب رئيس، وإجراء الانتخابات النيابية. لكن الحريري أكّد أنّ اللقاء بينه وبين السيد حسن نصرالله لن يكون قريباً. كما أن إنتاج رئيس جديد للجمهورية ليس من مهمة الحريري ونصرالله، بل يرتبط بما قد يتم الاتفاق عليه مسبقاً بين طهران والرياض، خصوصاً أن تجربة الدوحة، والتي أتت بقائد الجيش آنذاك ميشال سليمان رئيسا للبلد، أثبتت انه أتى بعد موافقة الرياض وطهران وواشنطن وباريس. علماً أن السباق الرئاسي بين القطبين المسيحيين ميشال عون وسمير جعجع، استنفد قدراته، وبات الخيار اليوم للرئيس التوافقي.
هذا التبدّل في المعطى الدولي والاقليمي، يضاف إليه اقتناع القوى السياسية بضرورة الوصول إلى رئيس لا يكون “فريقاً”، أحرق كل اوراق العماد عون، وحلمه، وطموحاته، وإمكان سلوكه طريق بعبدا بدلاً من الرابية، وقد جاءت نتيجة المجلس الدستوري بردّ الطعن المقدم من قبل نواب عون للطعن بالتمديد ضربة لعون ولحركته السياسية التي خفتت بعد تمديد المحادثات بين إيران والغرب.
معطيات ثلاث إذا تتحكم بالمشهد السياسي حالياً، أولا، انعكاس الوضع الاقليمي الخطر على لبنان، نتيجة الجمود الحاصل على مستوى المحادثات بين الغرب وإيران، والذي يمهّد الطريق ثانياً لحوار لن يؤدي إلى نتيجة، بسبب كل التجارب السابقة والمواقف الحاسمة لكلا الطرفين من كل المواضيع، وخصوصاً مع تأكيد الرئيس نبيه بري أمام زوّاره أن بندي سلاح “حزب الله” ومشاركته في القتال في سوريا لن يكونا على جدول أعمال الحوار الذي سيقتصر فقط على صورة جامعة للملمة الوضع والتهدئة، وثالثاً، إبقاء الحجز على قضية رئاسة الجمهورية ضمن التجاذبات الاقليمية والدولية، بانتظار توافق وخرق ما، ومعها الانتخابات النيابية، والتمديد الذي من المتوقع أن يبقى حتى اليوم الأخير له.
وأمام هذا الكباش الاقليمي والخطر، والحوار الصورة، تبقى الساحة اللبنانية في الأيام المقبلة رهن بإرادة الفرقاء السياسيين، فإمّا التوجه نحو تفجير داخلي، وإمّا الحفاظ على الهدوء الحذر والستاتيكو الحالي، بانتظار انفراجات إقليمية ودولية قد تحدث تغييراً في المسار السياسي اللبناني.