بقيت الأعصاب مشدودة والنفوس غير مطمئنة الى مصير الجندي اللبناني المخطوف لدى “جبهة النصرة” علي البزال، في الاتصالات التي جرت معها لثنيها عن تنفيذ تهديدها بقتله، حتى منتصف ليل الجمعة، حين حُسِم الأمر بعد أخذ ورد وهبة باردة وأخرى ساخنة.
فالاتصالات لإقناع “النصرة” بالعودة عن تهديدها بقتله خلال 24 ساعة من بيانها الصادر مساء الخميس الذي طالبت فيه بالإفراج عن السجينة اللبنانية جمانة حميّد وإثبات الحكومة جديتها بالتفاوض على إخلاء العسكريين الذين تحتجزهم، كانت بلغت ذروتها عصر الجمعة، حين توجه الشيخ مصطفى الحجيري من عرسال الى الجرود للقاء مسؤولي “النصرة”. إلا أن اجتماع الحجيري مع الخاطفين لم يكن إيجابياً، إذ إن الجهة الخاطفة أظهرت تبرمها من أن الجانب اللبناني لا يبدي جدية في التفاوض على ملف العسكريين. وقالت مصادر مطلعة على تفاصيل الاتصالات التي جرت، إن مسؤولي “النصرة” رفضوا الالتزام بوعد بالعودة عن قرار قتل الجندي البزال وأصروا على موقفهم بأن الحكومة اللبنانية تماطل في التفاوض ولا تبدي جدية.
وتبلغ الحجيري من هؤلاء أن على الحكومة أن تبدي جدية وتثبت ذلك وبعدها لكل حادث حديث.
وأضافت المصادر أن معلومات سرّبت في وسائل الإعلام في هذا الوقت، عن أن “النصرة” تراجعت عن تهديدها بقتل البزال. وبالتزامن كان المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أجرى اتصالاً مع الوسيط القطري الموجود خارج لبنان، والذي وعد بالحضور الى بيروت خلال الساعات المقبلة. إلا أن ما ذُكر عن أن “النصرة” تراجعت عن قرارها إعدام البزال، أثار حفيظة المسؤولين فيها في القلمون، خصوصاً أن أهالي العسكريين الذين كانوا أعادوا قطع مدخل بيروت الشمالي- الشرقي في منطقة الصيفي، أعلنوا إعادة فتحها شاكرين كل من ساهم في حقن دماء المخطوف البزال، وهذا ما دفع ناطقاً باسم “النصرة” إلى أن يصرح لوكالة أنباء “الأناضول” بعيد الثامنة بدقائق، بأن “الجبهة لم تتراجع عن قرار إعدام البزال ولم تمدد المهلة (التي كان يفترض أن تنتهي وفق أحد البيانات الثانية عشرة والنصف بعد منتصف ليل الجمعة- السبت)”. وقال المصدر في “النصرة” لـ “الأناضول”، إن المعادلة واضحة وهي إخراج السجينة (حميّد) مقابل وقف الإعدام. وأعاد هذا الموقف تحريك الاتصالات على وجه السرعة، فاتصل وزير الصحة وائل أبو فاعور مجدداً بالشيخ الحجيري الذي كان تحرك عصراً بناء لإلحاح منه وبطلب من النائب وليد جنبلاط. كما اتصل بالحجيري عضو كتلة “المستقبل” النيابية النائب جمال الجراح متمنياً عليه معاودة اتصالاته مع “النصرة”، لتفادي تنفيذ التهديد، خصوصاً أن الحجيري كان أبلغهما أنه لم يوفق في اجتماعه مع الخاطفين.
ودارت هنا اتصالات استمرت حتى منتصف الليل بين الحجيري و “النصرة”، انتهت الى تليين موقف الخاطفين، بناء لبيان أصدره بتشجيع من رئيس الحكومة تمام سلام، جاء فيه: “في إطار الجهود المتواصلة التي تبذلها الحكومة فإنها تؤكد سعيها الجاد والحثيث لحل موضوع العسكريين المختطفين عبر التفاوض الجدي والمباشر والفوري مع الخاطفين ووقف اي عمل قد يطاول حياة العسكريين وسلامتهم”.
وذكرت المصادر أن الحجيري نقل الى الخاطفين في الجرود نص البيان الذي يلبي طلبهم إظهار الحكومة جديتها في التفاوض، ما دفع “النصرة” الى إصدار بيان فجراً قالت فيه: “قررنا تأجيل إعدام الأسير البزال بعد وعد الحكومة بمتابعة المفاوضات”.
وقالت المصادر التي تابعت هذه المفاوضات والاتصالات المكثفة لـ “الحياة”، إن الحجيري أبلغ كلاً من النائب الجراح والوزير أبو فاعور زهاء منتصف الليل، أن الجهود نجحت بعد تبني الرئيس سلام مبدأ التفاوض المباشر، في وقف قتل البزال، قبل أن يصدر بيان “النصرة” بهذا المعنى.
وأوضحت المصادر أن تبني سلام التفاوض “المباشر والفوري” وفق البيان، يفترض أن ينقل جهود إخلاء سبيل العسكريين الى مرحلة جديدة لأن الأسلوب السابق للتفاوض لم يثبت نجاعته، خصوصاً أن الوسيط القطري موجود خارج لبنان منذ أسبوعين في وقت يحتاج الأمر الى متابعة يوماً بيوم وساعة بساعة.
وأعربت المصادر نفسها عن اعتقادها أن التفاوض الذي خاضه “حزب الله” مع “الجيش السوري الحر” لتحرير أسيره عماد عياد، يفتح الطريق أمام أخذ الحكومة قراراً واضحاً باعتماد الشيخ الحجيري وسيطاً أكثر فعالية ليدير البحث مع “النصرة”. وأضافت المصادر: “إن حزم الحكومة أمرها، على رغم القيود التي يضعها البعض فيها على حرية الحركة في المقايضة والمبادلة ومن دون التوقف عند هذه القيود والاعتراضات، هو أقل كلفة لإنجاز العملية من كلفة التهديدات التي تصدر عن الخاطفين بقتل هذا العسكري أو ذاك”.
ورأت المصادر أ ن المفاوضات التي خاضها “حزب الله” لتحرير عياد والمقايضة التي قام بها، وهي تشمل أكثر من تحرير أسيرين لـ “الجيش السوري الحر”، وتتعداه الى أمور أخرى ميدانية في منطقة القلمون، يفترض أن تكونا غطاء للحكومة كي تقوم بالمقايضة بعد توحيد مرجعية التفاوض وأسلوبه، بحيث يخرج الأمر من حال الجمود والإطالة في عملية تحرير العسكريين. وسألت المصادر: “هل إن ربط التفاوض بإشراك الحكومة السورية في العملية يساعد في تسريعها أم يساهم في إبطائها؟ يجب طرح السؤال على رغم أن الخاطفين كانوا جرّوا الجانب اللبناني الى هذا الربط”.