Site icon IMLebanon

مصر: الدولار.. والمضاربة على هموم الناس

EgyptDollar
عماد غنيم

طوال الأسبوع الماضى انشغلت أسرة تحرير «الاقتصادى» بقضية اساسية هى هموم اسواق الصرف. وفى سعينا للبحث عن تفسير للصعود المتوالى فى سعر الدولار مقابل الجنيه طرقنا كل باب يمكن ان نصل اليه، وسألنا كل من له علاقة بالامر. وبعد ان تراكمت لدينا حصيلة نظنها ثرية قررنا ان تكون قصة الدولار هى ملف العدد. وبينما كان العمل يجرى على قدم وساق مساء الاربعاء لاعداد الملف وتلخيص الآراء وتركيز الرؤى والمعلومات، فاجأنا الزميل ابراهيم العزب بمفاجأة سارة عندما اخبرنا ان مصادره فى اسواق العملة تتحدث الان عن انخفاض سعر الدولار الاسود بنحو 10 قروش دفعة واحدة وسط توقعات باستمرار الاتجاه النزولى خلال الايام القادمة، بعد نحو اسبوعين ظل الدولار فيها يتصاعد بثبات الى ان بلغ مستويات لم يصلها من قبل.
وهكذا تحول النقاش بين الزملاء من البحث عن اسباب ارتفاع الدولار الى تفسير هبوطه المفاجئ.
اسباب الارتفاع سوف تجدها كاملة داخل العدد كما طرحها الخبراء والمصرفيون والصرافون ورجال المال والتجارة، اما اسباب التراجع فتلك التى احتار فيها حتى الخبراء الذين سارعنا بسؤالهم.

واذا كانت العوامل الاقتصادية تشكل جانبا من اسباب صعود الدولار المستمر تقريبا منذ يناير 2011 للاسباب المعروفة الا ان عوامل اخرى غير اقتصادية تساهم الان بنصيب مهم فى القفزات غير المعقولة التى تحققها العملة الامريكية فى الاسواق.

كثير من المعنيين بأسواق العملة تحدثوا عن رصد تحركات مشبوهة للمضاربة على خفض قيمة الجنيه، ووجهوا اصابع الاتهام صراحة لفلول الاخوان الذين لايزال لهم وجود فى الاسواق بصفة عامة، واسواق الصرافة على وجه الخصوص. وفى المضاربات على العملة، كما فى كل المضاربات يكفى ان يظهر طلب مفتعل تديره اياد مدربة لجر جحافل الناس وراءهم سعيا وراء تحقيق مكاسب اضافية. يحدث هذا فى سوق الاسهم وفى اسواق العقارات وفى غيرها من الاسواق التى خبرنا ألاعيبها على مدى سنوات وعقود، الا ان الامر فى سوق العملة اكثر يسرا.. واكثر خطورة فى نفس الوقت. فيكفى ان تتحرك اسعار الدولار فى السوق السوداء عدة قروش لاسباب قد تكون طبيعية، ثم يعن لنفر من الناس اطلاق شائعة ما عن مظاهرات متوقعة فى 28 نوفمبر مثلا ليزداد الطلب على الدولار لاسباب تتعلق بالهلع من المستقبل، ثم لا يلبث حائزو الدولار ان يحجموا عن بيعه، إما خوفا وإما طمعا فى مزيد من الارتفاع، فيرتفع الدولار بالفعل رغما عن كل الاطراف الطبيعية المعنية بسوق الصرف، وفى مقدمتهم السلطات النقدية.. والارجح ان هذا ما يحدث هذه الايام.

المضاربات بصفة عامة عمل يخلو من النزاهة، الا ان المضاربات التى تستغل احوال وطن وتستهدف ارهاق المصريين بمزيد من الارتفاع فى اسعار كل شىء تتسم فوق ذلك بالخسة، لأن الخاسر الحقيقى هم جموع الفقراء من المواطنين الذين يجاهدون من اجل تلبية مطالبهم الضرورية ليجدوا انفسهم مضطرين لدفع مقابل اعلى لاستيفاء احتياجاتهم الاساسية بسبب حفنة من المناورين والمضاربين الذين يعملون لأغراض سياسية كتلك التى نراها الان .

العوامل غير الاقتصادية هى التى تتحكم الان فى مشاعر وقرارات المتعاملين فى سوق العملة، ولهذا فإن البحث عن اسباب اقتصادية وراء ما يحدث هو ضرب من العبث، ليس لأن احوالنا الاقتصادية «تمام»، ولكن لأنه لا يوجد تطور اقتصادى يبرر هذه القفزات المتوالية فى سعر الدولار التى تحققت فى الايام الاخيرة.

ولهذه الاسباب نرى ان التصريح العفوى الصادر عن وزير الخارجية ونشر بصحف الاربعاء كان له ابلغ تأثير فى الخفض الذى طرأ على سعر العملة الامريكية بعد ظهر نفس اليوم . وردا على سؤال عما سيحدث فى 28 نوفمبر قال الوزير باسما: لن يحدث شىء ودعا المصريين للخروج ذلك اليوم «ويتفسحوا» وفقا لتعبيره. ربما يكون هذا التصريح وهذه الثقة هى التى اصابت كثيرا من المضاربين غير المسيسين بالذعر وجعلتهم يعرضون ما يحوزونه من دولارات اكتفاء بما حققوه خلال الايام الماضية، وخوفا من تحقيق خسائر كما حدث فى مرات سابقة.

اقتصاديا ربما يكون الاعلان عن تحقيق معدلات نمو تفوق التوقعات فى الربع الاول من العام الماضى سببا اضافيا جعل عقلاء المضاربين يعيدون حساباتهم ويقررون طرح ما لديهم للتداول مما ادى الى تراجع الاسعار.

ومع ذلك فلا يزال الوقت مبكرا للحديث عن انتهاء ازمة الدولار مع المضاربين ومع الاقتصاد، فالمسألة لها جوانبها المالية والنقدية التى يتعين معالجتها بثقة وبحكمة وفق المقترحات التى ستراها على صفحات هذا العدد.