IMLebanon

«يوم الجمعة الأسود»…هذا ما حصل

BlackFriday2

أنطوان فرح

بعد حوالى 14 عاما على انطلاقته في الولايات المتحدة الاميركية، وصل «يوم الجمعة الاسود» الى لبنان. وهو تقليد مرشّح أن يشهد انتشارا اوسع في السنوات المقبلة، لأن التجارب في الخارج، أثبتت جدواه في تحريك الدورة الاقتصادية، وفي انعاش الاسواق، وفي استخدام نتائجه كمؤشر يمكن الركون اليه لتحديد المسار الاقتصادي العام.
تبدو تسمية «يوم الجمعة الأسود» (Black Friday) غريبة لوصف يومٍ من التنزيلات في الاسعار بدأت تعتمدها الاسواق الاميركية منذ العام 2000. يأتي توقيت هذا اليوم بعد انتهاء عيد الشكر، أي بعد انقضاء الخميس الرابع من تشرين الثاني من كل عام.

وباتت دوائر التخطيط الاقتصادي تستخدمه في الولايات المتحدة، وفي بعض البلدان الصناعية التي انتقل اليها هذا التقليد، من اجل قياس اداء الاقتصاد، والقدرات الشرائية، وثقة المستهلك التي يجري التعبير عنها من خلال الانفاق.

من خلال الارقام والعادات التي تم تسجيلها هذا العام في الولايات المتحدة، يتّضح ان الدورة الاقتصادية لا تزال بطيئة، رغم ان مجموع المبيعات التي تم تسجيلها في هذا اليوم تجاوزت الستين مليار دولار.

لكن مراقبي الدورة التجارية كانوا يتوقعون رقما افضل، على اعتبار ان القدرات الشرائية لذوي الدخل المحدود يُفترض ان تكون تحسنت بسبب تراجع اسعار المحروقات بنسبة 30 في المئة تقريبا، بما ينعكس تحسيناً في القدرة على الانفاق في مجالات أخرى.

في الأرقام التي وردت من بلاد العم سام، مؤشرات عديدة يمكن البناء عليها في لبنان، على اعتبار ان التوجهات العامة للمستهلكين في العالم تتشابه في بعض الخطوط العريضة، ولو بفاصل زمني يمتد لسنوات. وقد تبين هذا العام، من خلال مبيعات «الجمعة الاسود»، ان التجارة الالكترونية بدأت تحتل مساحة اوسع في عالم التسوّق.

وقد ارتفعت المبيعات الالكترونية (اون لاين) بنسبة 8 في المئة، وهي نسبة كبيرة تعطي مؤشرا واضحا للتوجهات في الاعوام المقبلة. ولعلّ النقطة الملفتة في هذا الأمر ان نسبة 47 في المئة من هذه المبيعات تمّت عبر الهواتف الخلوية، بما يؤشّر ايضا الى ارتفاع اهمية هذا الجهاز في تحريك الاسواق التجارية في المستقبل.

هذه الوقائع تسمح بالانتقال الى الوضع اللبناني لدراسة الوضع الاقتصادي من خلال حركة الاسواق التي تستعد حاليا لموسم الاعياد، وهو الموسم الذي يفترض ان يشكل نسبة تتراوح بين 25 و30 في المئة من مجموع المبيعات طوال العام، ويعتمد عليه القطاع التجاري عموما في تغيير المعادلات.

لا شك في ان القطاع التجاري في لبنان، وهو القطاع المتهم دائما على المستوى الشعبي بأنه قطاع يستحوذ على نسبة كبيرة من الارباح، من دون ان يعطي الدورة الاقتصادية ما تستحقه من عوامل النمو، يعاني اليوم مثل غيره من القطاعات من مفاعيل التراجع العام في الاداء الاقتصادي.

وهو القطاع المُصنّف ضمن خانة الخدمات، بمعنى انه ليس قطاعا انتاجيا كما هي حال الصناعة والزراعة. ومن المعروف ان الاقتصاد اللبناني كان يعتمد دائما على قطاعي الخدمات والتجارة في تحسين ارقامه. والخدمات تشمل السياحة والمؤسسات المالية بما فيها المصارف.

أكثر من ذلك، كانت الارقام تشير دائما الى نوع من التكامّل (البعض يعتبره تكاملا سلبيا) بين التمويل المصرفي والقطاع التجاري الذي يحظى بحصة كبيرة من مجموع القروض المصرفية. لكن كثيرين لا يدركون ان هذا الواقع لا يرتبط بنظرية المؤامرة، بقدر ارتباطه بآلية النظام المالي العام في البلد. اذ عندما يعتمد القطاع المصرفي على نظام ودائع قصيرة الامد، من البديهي ان تتجه القروض الى مشاريع مردودها سريع.

في كل الاحوال، القطاع التجاري بات يواجه اليوم اوضاعا صعبة للغاية. وتشير الدراسات التي تقوم بها جمعية تجار بيروت بالتعاون مع المصارف، الى تراجع عام في الارقام، يوحي ببداية أزمة خطيرة في حال استمرت الامور في هذا المنحى. كذلك، لا تختلف اوضاع قطاع الخدمات السياحية كثيرا. وتُظهر قروض مؤسسة كفالات الى القطاع المطعمي، وجود حالات تعثّر عن الدفع صارت نسبتها مُقلقة.

كذلك تواجه مكاتب السياحة والسفر مرحلة معقدة دفعت وزير السياحة الى البحث عن سبل لدعم هذا القطاع ومنع انهيار مؤسسات عاملة فيه. وهناك اتجاه حاليا لاقتراح اعفاءات ضريبية مؤقتة لهذا القطاع، لحمايته بانتظار مرور هذه المرحلة.

الى ذلك، بدأت الايجارات التجارية تنخفض نتيجة الركود وعدم قدرة التجار على الوفاء بالتزاماتهم. هذا المؤشر حيوي، على اعتبار ان اسعار الايجارات تعكس حجم الاعمال. وقد احتلت بيروت حتى اليوم، مرتبة متقدمة بين عواصم العالم، وهي تأتي في المرتبة 37 عالميا حسب دراسة الشركة العقارية العالمية Cushman&Wakefield ، وتأخذ موقعها بين اللوكسمبورغ (36) وستوكهولم(38).

لكن من المرجّح ان تتراجع العاصمة اللبنانية الى مراتب اقل في الايام المقبلة، خصوصا ان مشهد المحلات المُغلقة مع يافطة للايجار ينتشر ويتوسّع، خصوصا في قلب العاصمة في منطقة سوليدير التي يُفترض انها الدينامو المحرّك للاسواق التجارية.

«يوم الجمعة الأسود» مرّ بلا ضجيج في لبنان،على عكس بلدان اخرى، سقط فيها «جرحى» نتيجة التدافّع من اجل الشراء. ثقة المستهلك اللبناني تنحسر، وتؤشّر الى وضع اقتصادي قاتم. ويبدو ان اعتماد صفة «الاسود» على يوم التنزيلات، اسم على مُسمّى في لبنان.