كتبت رولا حداد
يترقّب اللبنانيون بحذر كل الأخبار والتسريبات عن الحوار المنتظر بين تيار “المستقبل” و”حزب الله”، بعد أعلن عنه رسمياً الرئيس سعد الحريري في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، وبعد الإعلان عن أن الرئيس نبيه برّي يتولى الترتيبات اللازمة لانطلاق هذا الحوار، بعد إعلان أول كان على لسان الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله في ذكرى عاشوراء عن الاستعداد للحوار.
واللافت أن كل الأجواء المحيطة بهذا الحوار لا تشي بتفاؤل مفرط، وذلك لأسباب عدّة، أبرزها:
ـ أولاً، فشل كل التجارب الحوارية السابقة، بدءًا من طاولة الحوار الوطني التي دعا إليها الرئيس برّي في آذار 2006، وصولا الى الحوار برئاسة الرئيس السابق ميشال سليمان في قصر بعبدا، مروراً بكل الحوارات السابقة التي جمعت الحريري بنصرالله.
ـ ثانياً، تنصّل “حزب الله” من كل مقررات الحوار السابقة، بدءًا من موضوع المحكمة الدولية وصولا الى نكوثه بتوقيعه على “إعلان بعبدا”، ما يجعل أي نتائج مرتقبة للحوار بغير ذي جدوى مع حزب ينقلب على كل ما يتم الاتفاق عليه، لا بل يمسح توقيعه من دون أي حياء.
ـ ثالثاً، إن الحوار المرتقب ليس على مستوى الحريري ونصرالله، وبالتالي فإن إمكانات التوصّل الى نتائج في حوار على مستوى الكتل النيابية لا يمكن أن تكون كبيرة، وفي أقلّ تقدير فإن هكذا حوار لا يمكن أن يوصل الى نتائج في مدى قريب.
ـ رابعاً، الحريري بنفسه خفّف من نسبة التوقعات في مقابلته الخيرة عبر إعلانه أن أي لقاء مع نصرالله يبدو بعيداً جداً، ما يعني أن التوصّل الى اي اتفاق عملياً بعيد جداً أيضاً.
لكن وبعيدا عن التوقعات، فإن “حزب الله”، وعبر مصادر الرئيس برّي وضع شرطا مسبقا على الحوار وهو عدم تطرّق بنود الحوار الى موضوعي قتاله في سوريا وسلاحه. وبالتالي فإن الحزب عطّل إمكانية التوصّل الى أي حلّ حقيقي في كل ما يؤجج الصراع السني- الشيعي فعلياً.
فالأسباب الحقيقية التي تنتج الفتنة المذهبية وتؤججها لا تتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية ولا بقانون الانتخابات النيابية ولا حتى بشكل الحكومة المقبلة، ولا طبعاً بأي تعيينات أو ملفات داخلية نجحت الحكومة الحالية في معالجة الكثير منها. بل إن الأسباب التي تؤدي الى الفتنة تبدأ من كون “حزب الله” هو المتهّم الفعلي والأول في كل الاغتيالات التي طاولت قيادات “انتفاضة الاستقلال” من الرئيس الشهيد رفيق الحريري وصولاً الى الوزير الشهيد محمد شطح وما بينهما، وتمرّ بكل ارتكابات الحزب وأبرزها اجتياح بيروت في 7 أيار 2008، وصولا الى تولّي “حزب الله” مهمة الدفاع عن نظام الرئيس بشار الأسد عسكرياً عبر القتال في سوريا ضد الشعب السوري.
وبالتالي فإن تحييد الحزب للأسباب الحقيقية التي تؤجج الفتنة المذهبية عن الحوار، والتي يلخصها في الجوهر احتفاظ الحزب بسلاحه الخارج عن الشرعية في لبنان، يجعل أي حوار من دون جدوى ويشبه مداواة مرض السرطان بحبوب البانادول.
وبفرضه شرط عدم مناقشة قتاله في سوريا وعدم مناقشة سلاحه في لبنان، إنما يكون “حزب الله” نجح مرّة جديدة في استدراج تيار المستقبل الى “حوار طرشان” لن يعالج أي مشكلة في الجوهر. فلا انتخابات نيابية تنفع ولا قوانين انتخابية ولا حكومات في ظل هيمنة سلاحه على الحياة السياسية، ولا انتخابات رئاسة جمهورية ولا جمهورية مع استمرار “حزب الله” في لعب دور حرس حدود للجمهورية الإسلامية الإيرانية على ضفاف البحر الأبيض المتوسط.