يرزح مزارعو التفاح في منطقة البترون الجبلية تحت أعباء هموم زراعتهم، وتصريف إنتاجهم وتحصيل أموالهم من التجار الذين يتحكمون بمواسم التفاح والإنتاج والتسويق والاسعار في جرد البترون. وها هو المزارع البتروني يعيش تحت رحمتهم، لا سيما أن أي دعم من الدولة غائب، وأي خطة لإيجاد أسواق لتصريف الإنتاج غير موجودة ايضا. وبات على المزارع أن يتدبر أموره بنفسه، وهو الذي لم يعد يدرك كيفية تصريف الإنتاج، ووسائل عدم الوقوع في الخسائر التي ترهق كاهله عاماً بعد عام وموسماً بعد موسم.
وها هو التفاح التنوري، ومعه تفاح الجرد البتروني بكامله، يعاني ارتفاع كلفة الإنتاج وتقاعس الدولة في تمويله، وتأمين برادات لحفظه كي لا يباع بأبخس الأثمان، كما حصل العام الماضي وما قبله. وعلى المزارع البتروني أن يواجه الضربة تلو الأخرى، من فأر الحقل فالعوامل الطبيعية، وكلفة الإنتاج واحتيال التجار وغياب الاسواق للتصريف، وعدم تأمين برادات لحماية إنتاجهم وحفظ محصولهم.
الكلفة أعلى من السعر
وتحتل زراعة التفاح في الجبل البتروني المرتبة الأولى، حيث يمكن القول إن كل مواطن مزارع تفاح، لأن المساحات الموجودة والصالحة لزراعة التفاح واسعة. تعتبر منطقة تنورين من أكبر البلدات اللبنانية إنتاجاً، ولا تزال تشهد إقبالا على زراعات جديدة من التفاح، لأن المواطن التنوري متعلق بأرضه، ويؤمن بأنها توفر له أفضل مردود ليعيل عائلته. إلا أن هذه القناعة بدأت تتبدل ويئس المزارع من الإهمال والمعاناة والأزمات التي تعيشها زراعة التفاح ومعها المزارع الذي بدأ يشعر بأن أتعابه تذهب سدى، ويضطر إلى بيع إنتاجه بأقل من سعر الكلفة في أحيان كثيرة. فسعر الصندوق زنة 20 كيلوغراماً يباع بـ10000 ليرة وكلفة قطافه 6000 ليرة، إضافة الى كلفة التبريد والنقل، بحيث يصبح سعر المبيع يساوي قيمة الكلفة.
التجار لا يرحمون المزارع
ويأسف مختار تنورين زياد عيسى «لما وصلت اليه زراعة التفاح في تنورين، والحال التي بلغها المزارع، جراء وقوعه تحت رحمة التجار: يتحكمون، يحددون الاسعار، يدفعون أو لا يدفعون، يشترون الانتاج في الارض والمزارع مضطر لأن يرضخ لهم، بسبب غياب اي دعم أو رعاية لهذا القطاع. فغياب البرادات التي تحفظ الانتاج قد تساعدنا على رفض حضور التجار الى بساتيننا، لأننا، مع وجود خطط الدعم، قادرون على التحكم بإنتاجنا ومحصولنا. لكن اليوم لا حل أمامنا إلا أن ننتظر التاجر ليقرر فنرضخ. اذ ان الاسعار قليلة جدا، وسعر الحقل حريق، ولا تبريد، ما يضطر المزارع للتخلص من الانتاج بأي سعر، كي لا يتركه في الصناديق أو على الشجر. ليس في اليد حيلة، هل نتظاهر أو نقطع الطرق؟ وضعنا ليس جديداً، منذ أعوام ونحن نعاني ونطالب ونصرخ، والصوت لا يصل الى حيث يجب. أليس ظلماً بحق المزارعين المتشبثين بأرضهم أن تذهب مواسمهم وتعبهم وأموالهم للتجار الذين أصبحوا قادرين على الشراء من دون دفعة أولى، أو بموجب الشيكات التي يتبين لاحقاً أنها من دون رصيد، وإما بموجب شيكات مؤجلة، أو بموجب اتفاق بالتسديد عند البيع. وهناك بعض التجار الذين يعتمدون على شراء البساتين بـ»الضمان»، أي حسب التقدير والتخمين، ومنهم من يدفع 5000 ليرة للصندوق الواحد».
تجمع المزارعين: أين الدعم؟
ويسأل رئيس «تجمع المزارعين في تنورين» شليطا طربيه: «لماذا لا تخصص الدولة مبلغ 5000 ليرة لدعم الناس في أرضهم، والتعويض عليهم لأن معاناة المزارعين ستدفعهم للهجرة والنزوح الى المدينة، ما ينعكس على استمرارية الحياة في المناطق الجبلية. فوجود الناس في أرضهم هو جوهر بناء الدولة واستمراريتها في هذه الظروف». ويضيف: «التفاح اليوم مخزّن في البرادات وينتظر فتح أسواق خارجية للتصريف، ونحن في كل عام نضطر لإرسال إنتاجنا الى برادات طرابلس وزغرتا وضبيه. حجم الموسم كبير والمزارع يدفع الكثير للحصول على الإنتاج، فهناك كلفة القطاف ونقل الإنتاج من البساتين وكلفة النقل وإيجار البرادات عدا كلفة ما قبل القطاف، كل هذا يتحمله المزارع ليصل في النهاية الى بيع إنتاجه بأسعار بالأرض».
وناشد طربيه الدولة «التدخل لفتح اسواق خارجية، فالتفاحة هي لقمة العيش للمزارع في المناطق الجبلية، والناس يعولون على الموسم لأنه الوحيد، خصوصاً أننا على ابواب فصل الشتاء، حيث تزيد الحاجة لمصاريف التعليم في المدارس والجامعات والتدفئة وغيرها. نطلب دعم المزارع بـ5000 ليرة عن كل صندوق تفاح لتسيير الامور بالشكل السريع، وهذا يخلق ارتياحاً لدى المزارعين. فالدولة هي الأم والأب للمزارع، وهذا المبلغ ولو كان قليلا، يشكل رمزية تعطي الناس أملا برعاية الدولة وتحسسها بمشكلاتهم».