Site icon IMLebanon

بتروليات وأكثر: حول سلبيات قرار اوبك

OPEC-FLAG
انيس ديوب
كثيرة هي النتائج السلبية المترتبة على تراجع أسعار البترول بنسبة بلغت، حتى يومنا هذا فقط، أكثر من الثلث، على الدول المصدرة للبترول.وأول هذه السلبيات بالطبع، هو تراجع القدرة على الانفاق على المشاريع الحكومية، وعلى مشاريع البنية التحتية في الدول المصدرة، وصولاً إلى تراجع الدعم الذي تقدمه العديد من الدول المصدرة، للمواد والسلع الغذائية الأساسية لشعوبها.

وإذا ما أرادت تلك الدول الحفاظ على مستوياتها من الانفاق على المشاريع الحكومية وعلى مشاريع البنية التحتية، فإنها ستضطر إلى السحب من الاحتياطي النقدي، أو من رأسمال الصناديق السيادية، لكن وللأسف، فإن بعض تلك الدول المصدرة للنفط، لا يملك أساساً صناديق سيادية، ولا احتياطيات نقدية ذات قيمة ويمكن التعويل عليها. أما ثاني تلك السلبيات، فهي ما سيترتب على قيام وكالات التصنيف الإئتماني الدولية، بتغيير تصنيف تلك الدول، الأمر الذي سيؤدي إلى رفع نسب الفوائد على القروض التي تقترضها.

أما السلبية الثالثة فهي صعوبة ضبط ميزانيات الدول المصدرة، والمعتمدة أساساً على تصدير البترول، حيث يصبح ضبط الميزانيات ضرباً من ضروب المستحيل. ورابعاً هناك التأثير المؤكد على الاستثمارات الداخلية والخارجية للدول المصدرة، حيث أن تراجع الأسعار سيضعف وبقوة من تلك الاستثمارات. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أسعار النفط قد تراجعت تراجعاً حاداً خلال الشهور الخمسة الماضية (منذ منتصف يونيو/حزيران الماضي) حيث نزل خام برنت من 115 دولاراً للبرميل ليقترب من 80 دولار حالياًً.

بالأمس قالت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية أن أسعار النفط التي تعد ضرورية لضبط ميزانيات الدول المصدرة للخام، تكشف عن مستويات شتى من المخاطر الناجمة عن انخفاض الأسعار. ومما قالته فيتش هو أن انخفاض أسعار النفط سيؤثر في المقام الأول، على العوامل الأساسية للتصنيفات الائتمانية السيادية، بسبب تداعياته على الأوضاع المالية والتجارية للدول المصدرة للنفط. وتتركز أكبر المخاطر في الدول التي تحتاج إلى أسعار نفط مرتفعة، إلى تحقيق تعادل الإيرادات مع الإنفاق في ميزانياتها التي تعاني بالفعل من عجز مالي في ضوء الأسعار الحالية مثل مملكة البحرين وأنغولا وفنزويلا.

وبالنسبة لتلك الدول فإن تصنيفاتها قد تتعرض لضغوط متزايدة في 2015 ما لم تتعافى الأسعار، لكن سرعة حدوث ذلك ومداه ستتوقف على عوامل منها حجم الاحتياطيات القائمة، وتأثير تراجع النفط على الاقتصادات المعتمدة على تجارة السلع الأولية، والإجراءات المتخذة في مواجهة ذلك. وإضافة إلى تلك السلبيات، فإن هناك سلبيات أخرى يمكن أن نصفها بأنها سلبيات غير مرئية، وتتلخص في أن تراجع الأسعار، يثير مخاوف من ظهور حرب تخفيض في الأسعار بين دول أوبك ذاتها، وهو ما حدث فعلاً، وأيضاً بين دول أوبك ذاتها كمجموعة، وبين الدول الأخرى المنتجة من خارج أوبك كروسيا على سبيل المثال، وهذا بالطبع يعني مزيداً من وفرة الإمدادات وضعف الطلب، وتراجع الأسعار.

وحتى الآن، لا زلنا نشهد أن سباق خفض الأسعار، لا يزال مستمراً، على الرغم من دعوات كثير من الدول الأعضاء في أوبك إلى الوحدة. الغريب أن الأحداث والصراعات السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، يفترض فيها أن تؤدي لارتفاع أسعار النفط، لكن ما يحدث هو أنها تؤدي إلى نتيجة معاكسة تماما، وذلك خلافاً للمنطق، وخلافاً لما عرفناه وشهدناه تاريخياً!.

حتى اللحظة، لم يشكل تراجع أسعار النفط كارثة للدول المصدرة، بما تعنيه الكلمة من معنى، لكن من يستطيع أن يضمن ألا يشكل هذا التراجع كارثة في المستقبل، بل وفي المستقبل القريب أيضاً.

هذا هو السؤال المهم الآن، أليس كذلك؟!.