حسن شقراني
منذ 18 تموّز 2014، يخوض مصرف «فيدرال» (FBME)، اللبناني الأصل، التانزاني المركز والقبرصي الهوى، معركة قضائية لتجنب مصير شبيه ببنك اللبناني الكندي في لبنان. ففي الوقت الذي يحاول فيه إبرام تسوية مع السلطات الأميركية التي اتهمته بتبييض الأموال، يواجه إجراءات مباشرة من السلطات القبرصية تهدف الى بيعه والتخلص منه. وهو ما ردّ عليه البنك بإقامة دعوى تحكيم والمطالبة بتعويضات تبدأ بنصف مليار دولار.
فقد رفع الأخوان صعب، أيوب ـ فريد وفادي، وهما القيّمان على المصرف، دعوى ضد السلطات القبرصية أمام محكمة التحكيم الدولية في باريس لفك الرهن الذي فرضه البنك المركزي القبرصي على فرع المصرف بهدف بيعه وإرغامه على التعويض على المساهمين، لكون الإجراءات التي اتخذها غداة القرار الأميركي، والتي قضت بحجز أصول المصرف وعرضه على البيع، هي غير قانونية وتؤدّي عمداً إلى تلطيخ سمعة المصرف وخفض قيمته السوقية.
يشرح الأخوان صعب في نص الإعلان عن طلب التحكيم أن المصرف يعمل حالياً مع شبكة مكافحة تبييض الأموال التابعة لوزارة الخزانة الأميركية (FinCEN) لمراجعة هواجسها وسحب اتهامها. وفي الأساس، هذا الاتهام لم يُبتّ بعد لدى السلطات الأميركية، ولذا فإنّ المصرف يبقى في نظر القانون والمنطق بريئاً، ويعتمد حالياً على حنكة مستشارين، أمثال شركة المحاماة الأميركية Hogan Lovells وشركة التدقيق والاستشارات Ernst & Young لتبييض اسمه من تبييض الأموال.
انطلاقاً من هذا الوضع يعود المصرف إلى الإجراءات التي اتخذها ولا يزال المصرف المركزي القبرصي (CBC) بحق فرعه في الجزيرة – وأساسها الاستيلاء عليه بهدف بيعه – على اعتبار أنها إجراءات غير قانونية.
ففي اليوم نفسه الذي صدرت فيه الاتهامات الأميركية بدا أن المركزي القبرصي كان جاهزاً لتنفيذ مناورة تمثّلت في السيطرة على فرع المصرف في نيقوسيا وتشكيل فريق يقوده مسؤول رفيع في البنك المركزي للدخول إلى المصرف وتفقّد كافة أنظمته المعلوماتية.
لا تُعدّ هذه الإجراءات خارجة عن القانون،
الحارس الخاص حاول
شفط سيولة FBME لمصلحة البنك المركزي القبرصي
ولكن المركزي ذهب كثيراً في مناورته، إذ تحت طلب المسؤول المذكور حوّل المصرف 100 مليون يورو إلى المركزي ليكون الأخير مصرف مراسلة ويُسهّل عمليات البنك المأزوم ويُطمئن زبائنه. «غير أن مصرف قبرص لم يستخدم هذه الأموال المحوّلة للأهداف المحددة… ولو أنه فعل ذلك لكان سمح للمصرف بالاستمرار في عملياته الخاصة بعملات غير الدولار الأميركي من دون أي قلق أو إزعاج لزبائنه ودائنيه».
يشرح نص الإعلان عن الدعوى أنه «خلال نهاية الأسبوع غيّر البنك المركزي موقفه 180 درجة، وبحلول يوم الاثنين كشف عن نياته الحقيقية وهي فرض بيع سريع ورخيص لفرع المصرف».
يعرض الأخوان صعب أمثلة يقولان إنها تؤكّد عدم صوابية المسار الذي اعتمدته السلطات القبرصية، وإن مصرفها المركزي حاول شفط مئات الملايين من المصرف.
«بعد أقل من شهر من تعيين الحارس الخاص على المصرف، حاول شفط سيولته لمصلحة البنك المركزي» القبرصي، تقول الدعوى. توضح أن الحارس طلب من ثلاثة مصارف مراسلة تُعدّ من بين أهم المؤسسات المالية العالمية، أن تحوّل مبلغاً يقارب 188 مليون يورو إلى المصرف المركزي من دون أي تبرير واضح. وذلك على الرغم من أن 100 مليون يورور كان قد جرى تحويلها فعلاً. «ومن حسن الحظ أن طلباته لم تُستجب».
كذلك رفض الحارس المالي السماح للمصرف بالاستمرار في العمليات بغير الدولار الأميركي ـ وهي عمليات مشروعة له في المبدأ ـ «وسعى بكدّ لإعاقة قدرة المصرف على تنفيذ هكذا عمليات بنفسه». والأهم هو أن الحارس منع ممثلي شركة المحاماة وشركة التدقيق المالي من الدخول إلى حرم المصرف، ولم يتراجع عن قراره إلا بعد مواجهته بالوقائع أمام المحكمة العليا القبرصية في نهاية تموز.
ولم يكتف الحارس المالي بهذا، فقد عمد، بحسب نص الدعوى نفسها، إلى تجميد الحسابات الشخصية للأخوين صعب، بما فيها حسابات لأفراد عائلتيهما وبينها حساب خاص محدّد لتأمين نفقات علاج ابنة أحدهما.
بناءً على هذه المسوغات، تتضمن الدعوة المرفوعة أمام غرفة التحكيم الدولية خمسة مطالب. أولاً، الإعلان أن قبرص لم تحترم التزاماتها في إطار الاتفاقية حول حماية الاستثمارات الموقعة مع لبنان عام 2009.
ثانياً، إجبار السلطات القبرصية على أن تسحب مباشرة المرسوم رقم 356 الذي ينص على بيع المجموعة القبرصية التابعة للمصرف.
ثالثاً، إجبار السلطات القبرصية على التعويض الكامل على المدّعين نتيجة الخروقات المرتكبة في ظل الاتفاقية؛ تُقدّر هذه التعويضات حالياً بقيمة 500 مليون دولار، غير أنّه سيجري تقويمها على نحو أدق لاحقاً.
رابعاً، إجبار قبرص على تكبّد كافّة مصاريف دعوة التحكيم بما فيها الأتعاب والأكلاف المرتبطة والمصاريف التي سيتكبدها المدّعون نتيجة هذا النزاع.
خامساً، إجبار السلطات القبرصية على تسديد الفوائد المترتبة على أي مبلغ مستحق إلى أن تُنفذ الموجبات المفروضة عليها.
أمام هذه الدعوى، وفي ظل المفاوضات التي يُجريها المصرف مع الجانب الأميركي، يبدو وضع السلطات القبرصية محرجاً؛ حرجٌ قد يُكلّف الجزيرة الكثير.