القدرة على أخذ وجهة نظر مخالفة للإجماع هي، وفقاً لتقاليد السوق، جوهر الاستثمار الناجح. إذا كان هذا صحيحاً، فقد حان الوقت للتساؤل بشأن شبه الإجماع على احتمال أن يستمر الدولار في الارتفاع مقابل غيره من العملات الكبرى. وأجد من الصعب الدفاع عن الاتجاه الهابط من أي باب كان، باستثناء وجهة النظر قصيرة الأجل. وكل ما في الأمر أن هناك كثيرا من القوى في جميع أنحاء العالم تميل إلى تأكيد الحكمة التقليدية، منطلقة من الحماس المتنامي للتخفيض التنافسي لقيمة العملة.
المذهب الميركانتيلي في العملات يعد عنصرا رئيسا، مثلا، لبرنامج آبي الاقتصادي. نحن الآن في الجولة الثانية من التخفيض التنافسي لعملة الين، مع استعداد رئيس الوزراء الياباني لانتخابات مبكرة في كانون الأول (ديسمبر) المقبل. في الوقت نفسه، ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، كان يؤدي عملا جيدا بالتقليل من قيمة اليورو مع كل إشارة كان يعطيها ويُمَنِّي الناس فيها بالآمال في برنامج التسهيل الكمي.
ولأن السياسة المالية في منطقة اليورو ضمن قيود ألمانية، من الذي يستطيع أن يلومه؟ التخفيض التنافسي لقيمة العملة ربما يكون استراتيجية نمو أكثر فاعلية – وباعتراف الجميع، هذا ليس جزءاً من اختصاص البنك المركزي الأوروبي – من أي شيء يمكن أن يؤدي إليه برنامج التسهيل الكمي الكامل بشكل مباشر أكثر لاقتصاد منطقة اليورو. وكما هو الحال مع برنامج المعاملات النقدية الصريحة غير المستخدم، تأثير الضغط الناجح على اليورو والتضخم في منطقة اليورو ربما يجعلان من غير الضروري اللجوء إلى برنامج تسهيل كمي، على غرار برنامج الولايات المتحدة، إلى جانب عمليات شراء مثيرة للجدل للسندات الحكومية. وهناك الصين، حيث خفض البنك المركزي أسعار الفائدة استجابة لبيانات كئيبة عن الاقتصاد المتعثر. والمُعضلة بالنسبة لصنّاع السياسة هناك تدور حول كيفية تخفيض معدل الاستثمار الذي بلغ حدا من الارتفاع جعل سوء التوزيع المتنافر لرأس المال في مختلف قطاعات الاقتصاد أمرا حتميا. إن إعادة التوازن عن طريق تخفيض الاستثمار تعني دخلا منخفضا لكثير من الصينيين، لذلك ارتفاع الاستهلاك سيستغرق بعض الوقت. بالتالي لا بد أن إضعاف العملة أمر مغر في مصلحة سد تلك الفجوة من خلال زيادة الصادرات. مثل هذا الإجراء يعمل على زيادة الانتقادات السياسية الفورية من الولايات المتحدة، لكن أشك في أن بكين تقلق كثيراً من ذلك.
في أماكن أخرى في الأسواق الناشئة، البلدان ترى الخلاص في النمو الذي تقوده الصادرات. مع ذلك، لا يمكننا جميعاً تشغيل فائض الحساب الجاري؛ لأن الحساب الجاري العالمي يجب أن يكون مجموعه صفرا. في الواقع هذا يعني إما أن إمكانيات التصدير ستكون مُقيّدة أكثر مما تتوقع كثير من البلدان، وإما أن تصبح الولايات المتحدة مرة أخرى المنفق والمقترض في العالم كملاذ أول وأخير. ومن المحتمل أن يكون كلا الأمرين صحيحين. إنها ببساطة مسألة درجة.
على هذه الخلفية، أسعار الفائدة في الولايات المتحدة تعد داعمة لقوة الدولار. سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 أعوام تُحقق اليوم عوائد أكثر مما يُعادلها من سندات إيطاليا وإسبانيا، التي قد يجدها البعض سريالية، نظراً للتساؤل الأكبر بكثير بشأن استدامة الديون في هذه البلدان الأوروبية. كذلك تحقق سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 أعوام عائدات أكثر ثلاث مرات مما يعدلها من سندات الخزانة الألمانية.
بدلاً من إجراء رهانات على الدولار مخالفة للإجماع، ربما تكون سوق السندات الأمريكية تحمل فرصا أفضل. قد تتساءل، لماذا كانت سندات الخزانة الأمريكية محصنة نسبياً أمام تراجع العوائد في كل مكان آخر في أسواق السندات العالمية؟ إنه أمر مذهل أيضاً أن عائدات سندات الخزانة الأمريكية لم ترتفع كما توقع كثيرون استجابة إلى انتهاء برنامج شراء السندات الخاص بالاحتياطي الفيدرالي. إذا كان كثير من البلدان سيلجأ إلى التخفيض التنافسي لقيمة العملة، فإن الكثير من فائض الحساب الجاري الناتج بالتأكيد سيعمل على توليد تدفقات رأس المال إلى أكبر أسواق السندات في العالم. هذا قد يُشير إلى أسعار سندات أقوى ودولار قوي.
ومن شأن الدولار القوي أيضاً توفير الأساس للحصول على وجهة نظر مخالفة للإجماع عن الأسهم. في هذه الحالة من الواضح أن الاقتصاد الأمريكي سيتباطأ، كما ستتضرر أرباح الشركات. مع ذلك، قد يكون من السابق لأوانه الخروج من سوق الأسهم. في الأسبوع الماضي، استجاب المستثمرون إلى تصريحات دراجي عن برنامج التسهيل الكمي وتخفيضات أسعار الفائدة في الصين عن طريق الاندفاع إلى الأصول المحفوفة بالمخاطر. بعبارة أخرى لا يزالون عبيداً للبنوك المركزية.
سيأتي وقت تتضاءل فيه الثقة في استعداد البنوك المركزية لدعم الأسواق. في الواقع، هناك بالفعل تلميح طفيف عن أمر قادم، لا سيما في ظل عدم وجود إجماع في مجلس إدارة بنك اليابان والخلافات حول برنامج التسهيل الكمي بين أعضاء مجلس المحافظين في البنك المركزي الأوروبي. هناك رهان مأمون، وهو أن نقطة التحول في الأسهم ستأتي قبل فترة طويلة من عودة الدولار إلى فترة ضعف طويلة.