Site icon IMLebanon

تراجع النفط يغذي فقاعة في «وول ستريت»

WallStreet1
جون أوثرز

النفط يعمل على استقرار الأسواق المالية العالمية، ومنظمة “أوبك” قررت للتو إطلاق حركة النفط ليسير بحرية. العواقب قد تكون عميقة، وتذهب أبعد من لعبة القوة بين منتجي النفط التقليديين في الشرق الأوسط والجيل الجديد من منتجي النفط الصخري في أمريكا الشمالية.

صحيح أن النفط أقل أهمية مما كان. فالتحسينات الثابتة في مجال التكنولوجيا جعلت الاقتصاديات المتقدّمة أقل “كثافة من حيث استهلاك النفط”، وأقل عُرضة لتكرار ما حدث في السبعينيات، عندما أدى ارتفاع النفط مرتين إلى فترات ركود مؤلمة للغاية.

لكن منذ انتهاء نسخة ما بعد الحرب العالمية الثانية الخاصة بمعيار الذهب في عام 1971، إثر قرار الرئيس ريتشارد نيكسون إنهاء سعر الدولار الثابت مقابل الذهب، كان النفط هو البديل الأقرب ليكون مخزن القيمة في الاقتصاد العالمي. في السبعينيات، ارتفاع أسعار النفط من حيث الدولار ـ الذي صممته “أوبك” أكثر نشاطاً بكثير آنئذ ـ استعاد فقط قيمة النفط من حيث الذهب. كذلك عمليات التحفيز الاقتصادي في الولايات المتحدة أدت إلى إضعاف الدولار. “معيار النفط” الحر الذي يستند إلى تعديل “أوبك” للعرض، للحد من تقلّب أسعار النفط، أصبح متناسقاً منذ ذلك الحين.

يعمل النفط على استقرار أسواق رأس المال، وهو أمر يتضح بجلاء من خلال علاقته المُحْكمة مع الدولار. عندما ترتفع أسعار النفط تميل قيمة الدولار إلى الانخفاض مقابل العملات الأخرى. وشركات تصدير النفط عادة ما تتلقى الدفعات بالدولار، ومن ثم تقوم ببيعها، ما يعني أن أسعار النفط المرتفعة تؤدي إلى انخفاض قيمة الدولار.

وفي الأعوام التي سبقت الأزمة المالية عام 2008 انخفضت قيمة الدولار بشكل كبير، وتداخل أدنى مستوياته بشكل وثيق مع فقاعة مضاربة في النفط. أما الآن، فقد أصبح أقوى بشكل كبير.

هذا الارتباط مع الدولار يؤدي إلى ارتباط ثان واضح مع أسهم الأسواق الناشئة التي تميل إلى التفوّق عندما يضعُف الدولار (كما حدث في الأعوام التي سبقت عام 2008)، وتتراجع عندما يصبح الدولار أقوى. آخر فترة رأينا فيها أسعار النفط المنخفضة (وإن كان بمستوى أقل بكثير) والدولار القوي كانت في أواخر التسعينيات. وهي فترة شهدت وصول سوق الأسهم الصاعدة في الولايات المتحدة إلى فقاعة كاملة، في حين أن الأسواق الناشئة كانت تعاني سلسلة من الأزمات. ذلك أن الدولار القوي جعل من الصعب عليها سداد ديونها المقومة بالدولار.

ومنذ كانون الأول (ديسمبر) 1994، عندما أطلق تخفيض قيمة العملة في المكسيك سلسلة من الأزمات، حتى انتهاء تلك السلسلة في الأرجنتين عام 2001، كسب الدولار 35 في المائة على أساس الوزن التجاري النسبي – وأسهم العالم المتقدّم تفوّقت على الأسواق الناشئة بأكثر من 200 في المائة، وفقاً لمؤشر مورجان ستانلي المركب.

إذا افترضنا – كما يبدو الآن أمراً معقولاً – أن أسعار النفط لن ترتفع كثيراً عن الأسعار الحالية، وأن أية تحركات كبيرة ستكون إلى الأسفل، فما فرص تكرار ما حدث في التسعينيات؟

على الطرف الأمريكي، فرصة الارتفاع السريع في قيمة الدولار استفادت بصورة مباشرة من أسعار النفط غير المقيّدة. على الهامش، النفط الأرخص يوفر دفعة للاقتصاد. والدفعة الأقوى تذهب إلى المستهلك، وتحديداً القطاع الذي كان متخلفاً: وولمارت، أكبر متجر تجزئة في الولايات المتحدة، لم يكن الرابح الأكبر في سوق الأسهم الأمريكية يوم الجمعة دون سبب قوي.

باعتباره مكوّنا مهما لمؤشرات السعر، يعمل النفط الأرخص تلقائياً على تخفيض التضخم. وهذا يقلل من الضغط على البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة، ويُشير إلى أن السياسة النقدية يمكن أن تبقى متراخية لمدة أطول. وفيما يتعلق بسوق السندات، انخفضت توقعات التضخم للأعوام العشرة المقبلة لفترة وجيزة إلى ما دون 1.8 في المائة يوم الجمعة، وذلك للمرة الأولى منذ ثلاثة أعوام – وهو المستوى الذي دفع سابقاً الاحتياطي الفيدرالي إلى اللجوء إلى برنامج التسهيل الكمي لعمليات شراء السندات، وهذا بالتأكيد يُقلل من خطر ارتفاع وشيك في أسعار الفائدة.

الدولار الأقوى هو في حد ذاته إجراء متشدد للسياسة النقدية، ما يجعل تدخل الاحتياطي الفيدرالي أقل ضرورة. فالعملة القوية يغلب عليها أن تجتذب الأموال تجاه الولايات المتحدة. والأسهم الأمريكية بالفعل تبدو مُكلفة. لذلك إذا كانت منظمة “أوبك” لن تتصرف للحفاظ على استقرار أسعار النفط، هذا بالتأكيد سيعمل على تغذية خطر أن يستمر الانتعاش الحالي في أسواق الأسهم الأمريكية حتى يصل إلى فقاعة.

هناك حجج مماثلة تنطبق على اليابان التي تعتمد على واردات النفط. بما أن النفط الأرخص يعمل على تقليص التضخم، الذي يرغب بنك اليابان في دفعه إلى الأعلى بقوة، فإن فرص الأموال الأرخص في اليابان تزيد فقط.

ماذا عن بقية العالم؟ الأسواق الناشئة تعد أقل عُرضة لأزمات العملة الآن، بعدما قامت ببناء احتياطيات و(في الغالب) سمحت بتعويم عملاتها. مع ذلك، جميع البلدان التي تستفيد كثيراً من تصدير النفط سوف تخسر. بالدرجة الأولى هذا يعني روسيا التي انخفضت عملتها، الروبل، الآن بنسبة 53 في المائة مقابل الدولار منذ ذروته في عام 2008. لكن الهند، التي تعتمد على الواردات للحصول على النفط، ترتفع – انخفض الروبل بنسبة 36 في المائة مقابل الروبية خلال أقل من عام.

حدوث تكرار كامل لفقاعات وأزمات أواخر التسعينيات يبقى بعيد الاحتمال. ينبغي للعالم أن يكون قد تعلّم دروساً كافية لتجنّب ذلك. لكن المقارنة لا تزال تبدو جيدة – هناك خطر قوي أنه مع بقاء النفط رخيصاً، فإن الأسهم الأمريكية سوف ترتفع في حين أن الأسواق الناشئة تضعُف.