فضيحة المخالفات العقارية كانت سابقاً، مدار حديث المواطنين ضحايا السمسرات والرشى والابتزاز، وكانت تدر اموالا طائلة على مرتكبيها ومعاونيهم من معقبي المعاملات، بحيث كان موظف الدوائر والسجلات العقارية ينعم بما لا يحق له، ما ادى الى تراكمات في المخالفات على مر السنوات السابقة، وبات مسؤولو السجلات العقارية ودوائر المساحة كالأمراء، يخالفون ويُرتشون، او يفرضون الأتاوات من دون حسيب او رقيب، معتبرين انهم بمنأى عن المساءلة والمحاسبة.
كان الحديث عن المخالفات شائعاً بين الناس، خصوصا المعنيين ببيع وشراء العقارات، لا احد يتجرأ على سؤال هذا المسؤول او ذاك عن معاملة ما، الا وكان لكل سؤال كلفته، الى ان بلغ السيل الزبى، وكبر عدد الشكاوى من قبل المواطنين، حتى بلغ التراكم حداً فضحه المتضررون انفسهم، وتلقفه وزير المال علي حسن خليل، ومشى اول خطوة في مغارة، ودهاليز المخالفات، و»بق» البحصة في مؤتمر صحافي اول امس، وأحال كل الملفات الى المدعي العام المالي.
ولفت خليل الانتباه الى ان المسألة لن تقف عند حدود ما اعلنه بانتظار نتائج تحقيقات خاصة تجريها أجهزة الوزارة والتفتيش إضافة إلى الإحالات على القضاء في حق أشخاص موظفين ومسؤولين في الدوائر العقارية، إضافة إلى 10 قرارات تنظيمية تتضمن مناقلات وتشكيلات في الإدارة.
الشكاوى التي تلقاها خليل تعد بالمئات، منها ما هو شفهي، كما يقول مدير الشؤون العقارية في وزارة المال، جوزف معراوي، لـ «السفير» ومنها موثق برسائل. وتتناول هذه الشكاوى التعدي على الاملاك العامة، الابتزاز لقبض رشى، رشى لتخليص او الاسراع في المعاملات وتأخير معاملات اخرى من دون وجه حق، ملاحقة معاملات، الاستعانة بالأبناء للمساعدة في العمل، والسمسرات، وكلها تؤدي الى تدفيع المواطن اكلاف باهظة وتنتقص من مقادير الأموال العامة.
نماذج من المخالفات والارتكابات
نورد نماذج من ارتكابات بعض الموظفين:
سجـــــلت إحدى المعاملات احتــــياطياً في امـــــانة السجل العقاري في المتن. والفضيحة ان العـــــقار سجل قيـــــمة المتر بما لا يقل عن 600 دولار امـــــيركي، لكن التسجيل تم بسعر 250 دولاراً للمتر الواحد، والتســــــجيل نفسه كان بتاريخـــــين الاول في 6/6/2014، واعتبر احتياطياً، ثم في 5/11/2014 اعيـــــدت المعاملة الى رئيس المكتب لتكلفَه استيفاء الرسم عن القيمة المبينة ليصبح المتر بـ 600 دولار، مع عبارة «لحق الادارة الاستدراك خلال مهلة 3 سنوات».
السجل العقاري في صيدا
وجهت شكوى الى الوزير خليل، من قبل مجموعة من المواطنين تحت اسم «مواطنون لبنانيون احرار»، بعد استحداث أمانات عقارية جديدة في المناطق اللبنانية، وجاء في الشكوى: «بمناسبة الحديث عن الامانات العقارية، فإننا نتوجه بكتابنا هذا رافعين الصوت عالياً، مستصرخين ضميركم من اجل وضع حد لموظفة في امانة السجل العقاري في الجنوب ـ صيدا، والتي تدعى (…….). هذه الموظفة مع العلم بتقاضيها الرشى المستفحلة بشكل فاضح ووقح، وبطريقة غير مقبولة وبشكل متسلط على المواطنين، فإنها أيضاً تقوم بالتعرض لكراماتهم الشخصية من خلال بعض الالفاظ النابية المباشرة وغير المباشرة، ولهذا نطلب من معاليكم اتخاذ الاجراءات الضرورية بحقها نتيجة تلك الاعمال، حتى لا نقع في ورطة «اخذ الحق بالذات، وذلك لأن تصرفاتها تسبب الاستفزاز والعصبية، وبالتالي تصبح المشكلة كبيرة والنتائج لا تحمد عقباها».
التعدي على أملاك خاصة
ــ تقدم مواطنان بشكوى سجلت في دائرة المساحة في جونية، وتتناول التعدي من قبل مالكي الأقسام المفرزة عن العقار 345 قد أقدموا على التعدي على العقار رقم 341 في القليعات وعلى إحداث مخالفات، وهذا التعدي ثابت بموجب تقرير الخبير المعين من قبل النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان. وقد خلص الخبير في تقريره الى نتيجة ان هناك تعدياً من هذا العقار على العقار 341 حسب المحضر الفني بتاريخ 2007، وهذا التعدي ناتج عن تشييد جدار الباطون والجدار المبني من الحجر الابيض الذي يفصل بين العقارين 341 و345. وبالكشف بتاريخ 25/9/2012 تبين ان هذين الجدارين ما زالا في مكانهما، وبالتالي فإن التعدي ما زال قائماً، علماً ان اشارة التعدي من العقار 345 على العقار 341 تم شطبها عن الصحيفة العينية لهذين العقارين.
الشكوى المقدمة الى وزير المالية تطلب تكليف من يلزم بإجراء تحقيق مسلكي وفني لمعرفة الاسباب التي حدت بدائرة مساحة جونية الى إهمال شكوى المستدعيين ليصار الى إزالة التعديات بواسطة الجهاز المختص.
كثيرة هي الشكاوى وأكثر منها المخالفات ومَن ورائها، فهل نصل يوما الى اصلاح اداري شفاف لوقف هدر المال العام والتعدي على الاملاك الخاصة والعامة، بحمايات معروفة وغير معروفة، لأن وراء كل فاسد مفسد؟