عامر ذياب التميمي
يتعامل عرب كثيرون بإعجاب كبير مع أداء الاقتصاد التركي خلال السنوات الماضية، خصوصاً منذ استلام حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في 2002. لا شك في أن مؤشرات عديدة أكدت تحسن الأداء الاقتصادي وارتفاع معدلات النمو. فحجم الاقتصاد نما منذ ذلك الحين في شكل مهم اعتماداً على ارتفاع معدلات الاستهلاك وتصاعد أعمال البناء التي أقامت العديد من الأسواق الضخمة والمباني الشاهقة في المدن الرئيسة ناهيك عن التوسع في أعمال البنية التحتية. كذلك تمكنت تركيا من تفادي الآثار الصعبة، التي مرت بها بلدان كثيرة، خلال الأزمة المالية التي بدأت عام 2008، فالاقتصاد التركي بلغ معدلات نمو مناسبة خلال السنوات التي أعقبت بداية الأزمة.
تُعتبر تركيا من الدول العشرين الرئيسة ذات الاقتصادات الكبيرة، وتعد الدولة الـ17 في هذا المجال. ويقدر الناتج المحلي الإجمالي بـ 1.5 ترليون دولار. ويبلغ عدد السكان 82 مليون شخص، ويصل معدل الدخل السنوي للفرد إلى 19 ألف دولار. وتتنوع مساهمة القطاعات المختلفة في الناتج المحلي الإجمالي، فحصة الصناعات التحويلية تساوي 27 في المئة، والخدمات 64 في المئة، والزراعة تسعة في المئة. وبلغ معدل النمو عام 2013 نحو أربعة في المئة، وتشير إحصاءات إلى أن متوسط معدل النمو بين 2002 و2011 كان 5.2 في المئة.
لكن ثمة حقائق أخرى يجب أن تذكر في شأن الاقتصاد التركي، ومنها أن حوالى 17 في المئة من السكان يظلون تحت خط الفقر المتعارف عليه دولياً. ويساوي معدل البطالة 9.8 في المئة من إجمالي قوة العمل وفق أرقام 2013، وهو قريب معدل البطالة في دول الاتحاد الأوروبي. وفي مؤشر سهولة إنجاز الأعمال، تقبع تركيا في المرتبة الـ69، ولا تزال تركيا تعاني عجزاً في الميزان التجاري، إذ صدّرت سلعاً وبضائع في 2013 بـ168 بليون دولار في حين استوردت بـ243 بليون دولار، ما يعني أن العجز كان 75 بليون دولار. وفي حين أنها تصدر الملابس والمنسوجات والمواد الغذائية والمصنوعات المعدنية، فهي تستورد الآليات والمعدات الصناعية والمواد الكيماوية والبضائع شبه المصنعة والوقود ووسائل النقل.
وقد تكون تركيا قد قطعت شوطاً مهماً في تحديث اقتصادها وتطوير الصناعات التحويلية، إلا أنها ما زالت بعيدة من المستويات المتقدمة في الصناعة والخدمات كما هي الحال في بلدان الاتحاد الأوروبي أو اليابان أو الولايات المتحدة أو كوريا الجنوبية. ويعني ذلك أن الاقتصاد التركي يتطلب مزيداً من التطوير والتحديث للآليات والنظم الإدارية ليضاهي اقتصادات الدول الأخرى في منظومة مجموعة العشرين.
ويحذّر اقتصاديون من فقاعات التوسع في الاقتصاد التركي لتوظيف مستثمرين أجانب أموالاً ساخنة في تركيا على غرار الاقتصادات الناشئة الأخرى، بعدما عزز برنامج الإنعاش النقدي الذي اعتمده مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي منذ 2009 حجم السيولة القابلة للاستثمار. وحصل هؤلاء المستثمرون على هذه الأموال من قروض مصرفية نظراً إلى انخفاض أسعار الفائدة. وتركزت الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية ومشاريع عقارية متنوعة. وهذا ما حدث في تركيا خلال السنوات الخمس الماضية.
وساهمت سياسات الحزب الحاكم في دفع أسعار الفوائد في تركيا إلى الانخفاض إلى ما يقارب الصفر لتجنب التعامل الربوي. ولذلك ارتفعت ديون القطاع الخاص إلى مستويات قياسية، فزادت خلال سنوات قليلة أربعة أضعاف، فيما لم يزِد حجم الناتج المحلي الإجمالي إلا ثلث قيمته الحقيقية. وهكذا ارتفع الدين الخارجي لتركيا إلى 373 بليون دولار. ويذكر أن 90 في المئة من ديون المؤسسات الاقتصادية مقومة بالعملات الأجنبية. ولا شك في أن ذلك سيؤدي إلى إضعاف سعر صرف الليرة التركية، وهي تراجعت العام الماضي بنسبة 18 في المئة. وما يثير القلق أن ديون المستهلكين ارتفعت كثيراً خلال العقد الماضي.
ويعتمد الاقتصاد التركي على الاستهلاك المحلي بنسبة عالية، إذ يساهم الاستهلاك بنسبة 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتشير إحصاءات إلى أن الديون الشخصية نمت بمعدل مقلق يساوي 61 في المئة سنوياً بين 2005 و2008، ثم بدأت بالتراجع قليلاً بعد ذلك. وخلال 2013 بلغ النمو السنوي للديون العائلية 28 في المئة.
هذه الحقائق لا بد أن تثير اهتمام المسؤولين في الإدارة الاقتصادية في تركيا وتحفزهم على مراجعة السياسات النقدية والمالية التي تهدد بانهيارات في النظام الاقتصادي وتعقد المصاعب بما يعطل المعالجات المستحقة. وربما يكون مفيداً للعديد من المستثمرين التمعن في أوضاع الاقتصاد التركي قبل اتخاذ قرارات جديدة لتوظيف الأموال في أصول تركية. ويجب التحسب لمتغيرات الحياة السياسية وانعكاساتها على الأداء الاقتصادي. لكن تركيا تظل بلداً مهماً من الناحية الاقتصادية لكن يجب عدم التعويل على التقديرات غير الواقعية وطروح غير المختصين الذين يقدمون صوراً وردية.