جيليان تيت
في الأسبوع الماضي كشف مارك كارني عن إحصائية غير عادية. وفقاً لمحافظ بنك إنجلترا، تتطلب قيام المستثمرين بتسييل محافظ السندات سبعة أضعاف الوقت الذي كان يتم فيه ذلك عام 2008.
السبب: قبل ثمانية أعوام كانت المصارف الاستثمارية والسماسرة يحتفظون بمثل هذه المخزونات الكبيرة من السندات وأصول أخرى بحيث كانوا سعداء للقيام بدور صنّاع السوق، وكانوا على استعداد للشراء والبيع عندما يرغب المستثمرون في التداول. لكن منذ الأزمة خفضت المصارف هذه المخزونات بنسبة بلغت نحو 70 في المائة بسبب تشديد الأنظمة ومناخ جديد من تجنّب المخاطر. وخفضت أيضاً حجم صفقات السندات. وهذا يجعل من الصعب جداً على بائعي السندات إيجاد مشترين، خاصة إذا كان الجميع يرغب في البيع في الوقت نفسه.
“المخارج” بالنسبة للتداولات، كما يشار إليها في المصطلحات المصرفية، مزدحمة. وهذا يعني أن الأسواق قد تبدو هادئة اليوم، ولا سيما بالنظر إلى برامج التسهيل التي أعلنها المصرفان المركزيان في اليابان وأوروبا، إلا أن هذا الهدوء يمكن أن يتوقف إذا حاول المستثمرون البيع بشكل جماعي.
يقول كارني: “في الأساس، أصبحت السيولة أكثر ندرة”. ويبدو أن هذا أثار بعض تقلبات السعر الغريبة، مثل ما عرف بـ “الانهيار الخاطف” في سوق سندات الخزانة الأمريكية الشهر الماضي.
السؤال الكبير هو ماذا سيحدث عندما يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة. إذا تسرّع المستثمرون في بيع السندات الحكومية الأمريكية، هذا سيخلق واحدة من المخارج المزدحمة للغاية.
هناك كثير من نقاط الاشتعال المحتملة الأخرى، لا سيما في الأسواق التي فيها التداول كان تقليدياً أصعب بكثير مما هو في سندات الخزانة الأمريكية.
سندات الشركات في الأسواق الناشئة مثال على ذلك: مستوى اقتراض الشركات ارتفع بشكل حاد، خاصة في آسيا، الأمر الذي يمكن أن يدفع المستثمرين إلى الفرار. كذلك السندات التي أصدرتها شركات تطوير الغاز الصخري تعد نقطة اشتعال أخرى محتملة، خصوصا أن التعثر في أسعار النفط وضع هذا القطاع تحت الضغط.
هل هناك حل؟ وراء الكواليس، هناك الكثير من العصف الذهني. في الوقت الراهن يبدو أن المنظمين يعترضون على الخطوة التي يرغب فيها المصرفيون أكثر شيء: تخفيف الإصلاحات مثل لوائح “بازل 3” الدولية، أو قانون دود ـــ فرانك الأمريكي. بدلاً من ذلك، كما توضّح ورقة بحث صدرت أخيرا من قِبل بنك التسويات الدولية، يركزون على تدابير أخرى يأملون في أن تتمكن من تخفيف مخاطر السيولة. كذلك يضغطون من أجل المزيد من الشفافية والتوحيد في أسواق السندات، وأن يحدث المزيد من النشاط في البورصات الإلكترونية، التي يمكن أن تجعل التداول أسهل.
بعض البلدان تأخذ في الحسبان تدابير لدعم الأسواق الثانوية في سنداتها السيادية (لنقل، تشجيع مديري الأصول على إقراض المزيد من السندات لبعضهم بعضا). كذلك يحث المنظمون الشركات المالية لخلق المزيد من المخزون الاحتياطي لمساعدتها على البقاء في حال تجمدت الأسواق ـ بعض الشركات يستمع.
بلاك روك، أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، اتخذت الخطوة غير المعتادة بإصدار ورقة بحث متاحة للعامة تتعلق بهذه المسألة، بحجة أن بعض مخاوف المنظمين مبالغ فيها، بما أن الشركة ونظيراتها تدرك المشكلات جيداً “ومديرو الصناديق يملكون عدة أدوات لإدارة مخاطر السيولة”.
لكن بالنظر إلى حجم تحوّلات السيولة يحتاج الأمر إلى متداول جريء للغاية حتى يمكن أن يراهن على أن مثل هذه التدابير يمكن أن تُزيل احتمال الصدمات.
وهذا له أثران من الآثار المهمة بالنسبة للمصارف المركزية. الأول، أنه يُشير إلى أن خبراء الاقتصاد يحتاجون إلى الانتباه إلى الطبيعة المتغيرة للقطاع المالي عند تقييم الطريقة التي سيتم بها نشر السياسة النقدية في الشهور المقبلة.
هذه النقطة قد تبدو واضحة، لكن كما أشار كيفين وارش، وهو محافظ سابق في “الاحتياطي الفيدرالي”، الأسبوع الماضي، الأنموذج الاقتصادي للبنك المركزي لا يزال لا يأخذ في الحسبان العالم خارج الولايات المتحدة أو تقلبات التمويل. ويفترض بشكل لطيف أن الأسواق المالية مستقرة. لكن هذا تبيّن خطأ ذلك في عام 2008، ويمكن أن يكون مضللا أكثر بكثير في العام المقبل.
الآخر، أن هذه الاتجاهات توحي أن المصارف المركزية ربما تحتاج إلى إعادة تقييم دورها في أسواق السندات أيضاً. فمنذ أيام والتر باجيت، خبير الاقتصاد البريطاني في القرن التاسع عشر، كانت المصارف المركزية قد قبلت أن أحد أدوارها هو الإقراض بحرية للمؤسسات المليئة في وقت الأزمة. لكنها عموماً ابتعدت عن القيام بدور صنّاع السوق، أو إنقاذ المؤسسات غير المصرفية. وتقول ورقة بحث بنك التسويات الدولية: “دعم سيولة السوق بشكل مباشر يُخاطر بوجود حوافز اقتصادية مشوهة هيكلياً”.
لكن أزمة 2008 وعواقبها أجبرت المصارف المركزية على انتهاك العديد من المحرمات. وفي حال اندلعت أزمة سندات، هذه يمكن أن تنهار أيضاً، وهو ما يجبر المصارف المركزية على المشاركة بسرعة.
كما لاحظ كارني في سنغافورة: “باجيت يحتاج إلى التحديث من أجل القرن الحادي والعشرين”.