استشهد الدركي علي بزّال. استشهاده لم يفاجئ أحداً، فهو استشهد مراراً وتكراراً قبل أن يقتله الإرهابيون. كانوا كل يوم يهددون بقتله، وكان أهله وذووه في كل مرّة يعيشون النكبة نفسها.
قد يكون علي ارتاح من الظروف التي كان محتجزاً فيها، ويستمرّ رفاقه في الظروف نفسها. لن يستطيع الجزّار أن يهدّد علي بعد اليوم. لن يستطيع أن يسجّل له فيديو جديد أو أن يجبره على الاتصال بأهله لتهديدهم بحياته. انتهى ابتزاز عائلته وزوجته.
بتصفية علي بزّال خسر الإرهابيون ورقة كانوا يستعملونها بشكل شبه يومي منذ أكثر من 4 أشهر. لكنّ اللبنانيين باستشهاد علي اكتسبوا مناعة إضافية ووحدة لم يكونوا يتوقعونها مكلّلة بدم علي.
باستشهاد الدركي علي لم يعد ابن البزالية حصراً. ذكرني استشهاده كما استشهاد الجنديين في الجيش اللبناني محمد حميّة وعلي السيّد بمقتل الجندي الكندي ناتان فرانك سيريللو في حادث إطلاق نار مع إرهابي كندي أمام البرلمان الكندي في العاصمة أوتاوا في 22 تشرين الأول الماضي.
يومها تضامنت كل كندا مع ناتان. جميع الكنديين علقوا صور شهيدهم ابن الـ24 عاماً، تماماً كما رفعوا الأعلام الكندية في حملة تضامن وطنية واسعة. ناتان استشهد عن جميع الكنديين، وهو كجندي كندي قام بواجباته واستشهد عنهم.
هكذا أيضاً وحّد علي بزّال اللبنانيين. هذا العنصر في قوى الأمن الداخلي اللبناني قام بواجباته، تماما كما فعل الجنديان في الجيش اللبناني علي السيّد ومحمد حمية، جميعهم استشهدوا فداء للبنان ولجميع اللبنانيين بكل فئاتهم وطوائفهم ومناطقهم.
علي ورفيقاه قاما بواجباتهم التي فرضتها البذة العسكرية الرسمية التي يرتدونها، وقسمهم للعلم اللبناني وللمواطن اللبناني بحمايته، وولاؤهم للدولة اللبنانية التي يأتمرون بأوامرها.
استشهاد علي بزّال وحّد اللبنانيين مجدداً. تماما ايضا كاستشهاد علي يزبك، مشهد شرف الدين، محمد علي سليمان، علي حمد، ربيع العدي، محمد سليم الذين سقطوا في كمين للإرهابيين قبل أسبوع في جرود رأس بعلبك. مثلهم مثل نور الدين الجمل، داني حرب، بيار مشعلاني، سامر حنا وميلاد النداف وغيرهم العشرات والمئات من ضباط وجنود الجيش اللبناني الذين سقطوا من حوادث الضنية في رأس السنة 2000 مرورا بمعركة نهر البارد ومعارك طرابلس وعبرا، ومعارك عرسال والسلسلة الشرقية كلها وغيرها من اماكن المواجهة البطولية دفاعاً عن الـ10452 كلم2.
على هذه الـ10452 كيلومتراً مربعاً يسقط الأبطال وليس خارجها. يجبلون تراب الوطن بدمائهم الطاهرة، فلا يسقطون تحت شعارات زائفة وتنفيذاً لأجندات إقليمية غريبة.
لا مقدسات غير تراب الوطن. هكذا يكون الانتماء في المؤسسات العسكرية والأمنية الشرعية اللبنانية. أما خارج هذه المؤسسات فيصبح اللبنانيون أسرى بين إمارة من هنا وولاية من هناك، بين أمير أو خليفة من هنا وولي فقيه من هناك… ويدفع لبنان واللبنانيون الثمن!
فلتكن دماء علي بزّال حافزاً لنا جميعاً كلبنانيين لنتوحّد حول مؤسساتنا الشرعية من جيش وقوى أمنية لأنها وحدها التي ستحمينا، مهما كثرت رهانات البعض ومهما تعدّدت مشاريعهم وولاءاتهم، لأن لبنان وحده سيحمينا بدولته ومؤسساته وشعبه.