Site icon IMLebanon

تداعيات اللجوءالسوري: الأغنياء بخير والفقراء يعانون

إيفا الشوفي
عندما أتى السوريون إلى لبنان لم يكن لديهم خيارٌ آخر. نعم، هربوا من القصف والدمار الذي عصف بسوريا، تدفقوا بأعدادٍ كبيرة إلى البلدان المجاورة، وحظي لبنان بالعدد الأكبر. على اللبنانيين أن يعوا قبل البدء بأي نقاشٍ يتعلق بمشكلة اللجوء وانعكاساته، أنّ هؤلاء اللاجئين- بأغلبيتهم الساحقة- فقراء، خسروا منازلهم، يصارعون يومياً للبقاء على قيد الحياة، ولو قدّرت لهم العودة إلى مناطقهم فسيعودون فوراً.

الكلام هنا مبني على الأجواء التي أحاطت بمؤتمر «النزوح من سوريا والعراق: الأسباب والتداعيات»، الذي نظمته رابطة أصدقاء كمال جنبلاط. طبعاً غاب العراق عن المؤتمر وحضر البعد الاقتصادي للأزمة السورية بقوّة، ليتبيّن أنه الهاجس الأول.
الانطلاق من النقطة الأولى لبحث أزمة اللجوء- بعيداً عن الجانب الإنساني – تقوم أهميته على توجيه الوعي وتركيزه على المتأثرين والفاعلين الحقيقيين في هذه الأزمة. يحتل البعد الطبقي الجانب الأكبر هنا، وهو ليس نظرياً إطلاقاً، إذ إنّ النظام القائم – بجميع أدواته- يقوم على تعزيز عنصرية الفقراء ضد الفقراء، وهو ما كان يحصل بين اللبنانيين أنفسهم. منذ 3 سنوات ونصف سنة أتت الأزمة السورية لتمثل باباً إضافياً لتعزيز هذه العنصرية، فوُضع اللبنانيون الفقراء بمواجهة اللاجئين الفقراء، وكان هذا بمثابة «تبييض» لصورة النظام، متّكلاً على ذاكرة اللبنانيين القصيرة، فأُلقيت كافة الأزمات والمشاكل من كهرباء، بنى تحتية، تعليم، فقر، سكن… على كاهل اللاجئين الذين «خربوا البلد»، ليُصوّر للناس أنّ وضعهم من قبل كان ممتازاً. نجح الفاعلون في الترويج لهذه الصورة ووزّعوا المهمات، فخلق النظام السياسي العنصرية وعززها تجاه السوريين والعمال تحديداً (وهذا حصل قبل الأحداث السورية)، فيما استغلّ النظام الاقتصادي هذا التدفّق ليراكم أرباحه.
جولة سريعة على بعض الإحصاءات تثبت ما قد يعده البعض نظرياً: 86% من اللاجئين يقيمون في المناطق الأكثر تهميشاً، حيث يعيش 66% من اللبنانيين المهمشين. معدّل أجر السوري هو 40% فقط من الحد الأدنى للأجور من دون أية ضمانات. 61% من المجتمعات المضيفة أقرّت بحوادث عنف تجاه اللاجئين خلال الـ 6 أشهر الأخيرة، لأنها تنظر إليهم كمنافسين اقتصاديين وسبب استنزاف الخدمات الصحية، البنى التحتية… منطقتا بيروت وجبل لبنان حصلت فيهما أقل نسبة حوادث بسبب الانتشار الأمني الكثيف، ووجود النسبة الأعلى من اللاجئين الأغنياء.
خلاصة هذه الإحصاءات هي أنه يعيش في لبنان اليوم 2.25 مليون فقير يتنافسون على الموارد القليلة، ولكي تكون الصورة واضحة، هذا الوضع مناسبٌ جداً للمتحكمين في هذا النظام، طالما أنهم يملكون القدرة على السيطرة عليه.
يقول وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس في المؤتمر إن «المجتمع اللبناني لا يستطيع أن يحتمل أشهرا، خسرنا الكثير، فقدنا حدودنا البرية، وفقدنا البنى التحتية التي باتت تتآكل». أما الوزير وائل أبو فاعور، فقد أعلن أن «المجتمع الدولي خدعنا». بالفعل لم يقدّم المجتمع الدولي ما هو مطلوب منه لدعم لبنان، والصدمة الأخيرة بوقف المساعدات الغذائية إشارة قاسية إلى وجوب انتظار الأسوأ. «المجتمع الدولي خدعنا، ونحن لم نفاوضه جيداً. لم نفرض عليه حجما معينا من المساعدات مقابل فتح الحدود. كذلك كيف تقدّم الحكومات المساعدات إلى بلد لا يملك موازنة، يستشري فيه الفساد، لا تقارير واضحة فيه عن الصرف ولا شفافية؟».
وجهة نظر الوزير السابق دوميانوس قطار جديرة أيضاً بأن تؤخذ بعين الاعتبار. يُطمئننا قطار إلى أنّ المصارف ليست بخطر، الوضع المالي جيد والتدفق النقدي ثابت، حتّى إنّ الستة أشهر الأولى من عام 2014 كانت أفضل من الستة أشهر الأخيرة من عام 2013، على الرغم من تفاقم الأزمة وازدياد المشكلات. مجدداً يُثبت لنا أن الأغنياء بخير، وحدهم الفقراء يصارعون.
نائب عضو غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان جان فهد تحدّث عن الآثار الاقتصادية للجوء السوري، وعن كلفته على القطاعات. طرح بـ»ثقة» أنّ العمالة ذات الكفاءة المتدنية ازدادت 50% ما أدّى إلى زيادة البطالة لدى اللبنانيين إلى 20%، «هناك 230 ألف لبناني عاطل من العمل» قالها فهد بحسرة. أسئلة بسيطة تُوجّه إلى فهد من دون انتظار اجاباته: من الذي يوظّف؟ من الذي آثر ترك 230 ألف لبناني عاطل من العمل من أجل أن يزيد أرباحه ويدفع للعامل اللاجىء 40% من الحد الأدنى؟
الأصوات اليوم بدأت ترتفع للاستفادة من الواقع المفروض على البلد، يدعو الوزير السابق جورج قرم إلى تحويل اللاجئين إلى قوّة منتجة عوض إبقاء الوضع على ما هو عليه، مثلما استفاد لبنان قبل من اليد العاملة الفلسطينية ذات الأجر المنخفض، واليد العاملة السورية في قطاع البناء. يتحدّث قرم عن «نهضة زراعية نحن في أمسّ الحاجة إليها. اللحظة اليوم مناسبة لإعادة إحياء القطاع الزراعي نظراً لتوفّر يد عاملة رخيصة على نحو كبير». لا يقتصر الأمر على الزراعة، بل كذلك يجب «وضع خطة لتقوية البنى التحتية». هذه المقترحات تمثل منطلقاً جيداً للاستفادة من موجة التدفق والحد من انعكاساتها السلبية.