محمد كركوتي
لنلق نظرة على هذه النتيجة. معظم الدول الأكثر فقرا “الـ 48” لم تتمكن من تحقيق “أهداف الألفية” الإنمائية، على الرغم من تسجيلها نموا قويا! النتيجة توصلت إليها الأمم المتحدة أخيرا، والعالم يقترب من الموعد الحاسم لأهداف الألفية وهو عام 2015. والنتيجة مثيرة، ليس ببقاء حال هذه البلدان على ما هي عليها، بل إنها ستراوح مكانها، رغم أنها حققت نموا قويا بالفعل في السنوات الماضية. وهذا يعني أن هناك خللا فظيعا يشترك فيه كل الأطراف المحلية والدولية. فنحن نعرف أن النمو يحقق أهداف الازدهار، وفي أسوأ الأحوال بعض أهداف التنمية، الأمر الذي ينبغي أن يشكل قوة دافعة للحراك نحو تحقيق أهداف الألفية. لكن الواضح، أن حظوظ البلدان “المعطوبة”، ليست أفضل كثيرا من أقدار البلدان المنكوبة.
من أهم أهداف الألفية، خفض معدلات الفقر في البلدان التي تعانيه عقودا طويلة. ويتبع هذا، توفير التعليم الابتدائي لجميع الأطفال، ووقف انتشار الأوبئة والأمراض ولاسيما “الإيدز”، وحتى المواءمة بين التغير المناخي الخطير والحقائق الماثلة في هذه البلدان. إنها أهداف شاملة، تضع الإنسان في المقدمة، لكن آليات التنفيذ لا تتوافق مع المعطيات على الأرض. يضاف إلى ذلك، وجود ثغرات لم تسد في هيكلية المساعدات التي تقدمها الدول المانحة للبلدان الفقيرة، رغم أن العالم أجمع بات، منذ سنوات، يعرف حقائق هذه الثغرات ومكامن الضعف في المساعدات، بل والفوضى التي تعم بعضها. لقد أصبحت المساعدات في بعض الأحيان عبئا على البلدان المتلقية لها. ومع ذلك لم تتطور آلياتها بما يتطلبه الحال.
والمشكلة الكبرى هنا، لا ترتبط فقط بالمساعدات “الفالتة” أو غير المجدية بما يكفي، بل تشمل في الدرجة الأولى وقبل كل شيء تلك المعادلة الغريبة. هل يعقل أن تحقق البلدان الفقيرة حتى في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية نموا وصل في بعضها إلى 7 في المائة، بينما لا ينعكس هذا النمو على الحد من الفقر فيها؟! لا يمكن قراءة هذه المعادلة، إلا من خلال الفساد الذي يعم البلدان المذكورة، إضافة طبعا إلى المخططات المستقبلية التي لا تتلاءم مع المتطلبات المحلية والعالمية في آن واحد. كل هذه البلدان ظهرت في المراتب الدنيا من تقرير الشفافية الدولية الذي صدر أخيرا. والذي يزيد من مصداقية هذا التقرير، أن البلدان الأقل تقدما في القارة الآسيوية، حققت تقدما على صعيد محاربة الفقر، أكثر من البلدان الأقل تقدما في القارة الإفريقية. لقد وضع تقرير الشفافية البلدان الإفريقية في ذيل القائمة.
ومن المشكلات التي تواجه البلدان الفقيرة، أن الدول المانحة قللت من حجم مساهماتها في السنوات الماضية، بحجة واهية. بل إن بعض الدول أوقفت المساعدات كليا للحجة نفسها. فالمانحون الذين أوقفوا مساعداتهم يقولون، إنهم قاموا بذلك، لأن حكوماتهم وافقت على شطب ديون البلدان الفقيرة المستحقة لها! لكنّ المانحين لم يقولوا، إن هذه الديون لم تصل في الواقع إلى مستحقيها في العقود الماضية، بل إن بعضها استخدم ضد الشعوب نفسها. يضاف إلى ذلك، أنها لم تشر أيضا إلى مسألة أن حال المساعدات لم تكن أفضل كثيرا من وضعية الديون. فأغلب هذه الأموال كانت تذهب في الطرق الملتوية. صحيح أن أوضاع الدول المانحة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية ليست جيدة بما يكفي، لكن الصحيح أيضا أنها مشاركة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تراجع قيمة استنفاع المستحقين لمساعداتها.
يقول الكاتب الأمريكي جميس بولدوين “أي إنسان عانى الفقر يعرف تماما حجم تكاليف هذا الفقر على الفقراء”. لكن يبدو أن بعض البلدان المانحة نسيت المعاناة التي مرت بها في مرحلة الفقر. ولعل السبب في ذلك أن هذه المعاناة وقعت قبل قرون، وليس بالأمس. ومسؤولية البلدان الكبرى لا تقل أهمية عن مسؤولية البلدان الفقيرة المعنية بأهداف الألفية مباشرة. ولكي تحقق بالفعل أهداف الألفية، حتى بعد الوقت المحدد لها، فعليها أن تكون أكثر اندماجا بمشكلات ومصاعب البلدان الفقيرة، ليس فقط من خلال مساعدات مجدية، بل عن طريق استراتيجية تستند إلى رقابة مشددة لأموال الشعوب. وعليها أن تكون جزءا من إدارة الأموال الممنوحة، إلى جانب توفيرها المخططات المثلى لتحقيق الأهداف الموضوعة. سيمضي عام 2015 دون أن تتحقق أهداف الألفية كلها. وهذا لا يمثل كارثة. كم من المخططات والاستراتيجيات الدولية حتى في البلدان الراشدة تجاوزت مواعيدها المحددة؟ المهم أن تكون هناك استراتيجية تقوم على الشراكة بين البلدان الفقيرة وتلك القادرة على القيام بمهام المساعدة في تحقيق أهداف الألفية. وهذا أفضل ضامن لحقوق الشعوب الفقيرة المستهدفة، بل وحقوق شعوب الدول المانحة نفسها. وهي شعوب تريد أن ترى عائدا إنسانيا تنمويا ناجحا حقيقيا لما تقدمه.