Site icon IMLebanon

قلق «أوبك» من تراجع حصتها السوقية وراء قرار عدم خفض الإنتاج النفطي

OPEC-FLAG
اختارت منظمة «أوبك» في اجتماعها الأخير في فيينا عدم خفض إنتاج النفط عن مستوى 30 مليون برميل يومياً، ما دفع أسعار خام برنت إلى مزيد من الهبوط باتجاه 72 دولاراً للبرميل، منخفضة 37 في المئة عن أعلى مستوياتها البالغة 114 دولاراً للبرميل منتصف حزيران (يونيو) الماضي.
ويشبه الموقف الذي تواجهه «أوبك» حالياً، في كثير من جوانبه، الوضع الذي تعرضت له مطلع ثمانينات القرن الماضي، ولذلك من المهم جداً النظر إلى كيفية تعامل المنظمة مع ذلك الوضع لفهم مبررات قرار عدم خفض الإنتاج.
وأظهر تقرير أعدته شركة «جدوى للاستثمار» أن سعر النفط العالمي قفز دولارين للبرميل عام 1970 إلى أكثر من 35 دولاراً عام 1980، وهذه الزيادة كانت مصحوبة بتراجع في الطلب العالمي نتيجة الاقتصاد العالمي، والذي يعود جزئياً إلى الارتفاع السريع في أسعار النفط». وأضاف: «منذ عام 1981 بدأت أوبك خفض إنتاجها للحفاظ على أسعار النفط عند مستويات مرتفعة، ولكن هذه الأسعار المرتفعة شكّلت حافزاً اقتصادياً لمنتجين جدد خارج «أوبك»، أي المكسيك والمملكة المتحدة والنروج، لزيادة إنتاجهم وسد أي عجز ينتج عن تراجع الإمدادات من «أوبك»، وبين عامي 1981 و1985، تشكلت دورة من الزيادات المتواصلة في الإمداد من خارج «أوبك» أدت إلى تراجع الأسعا والذي قاد إلى انخفاض إنتاج أوبك». ونتيجة لهذا الوضع، مع نهاية عام 1985، أدى خفض «أوبك» لإنتاجها إلى تراجع حصتها في السوق العالمية من نحو 48 في المئة عام 1970 إلى نحو 30 في المئة عام 1985.
وأضاف التقرير: «بالنسبة للوضع عام 2014، يبدو أن أوبك أو بعض أعضائها تعملوا من درس مطلع ثمانينات القرن الماضي وأدركوا أن خفض الإنتاج لدعم أسعار النفط سيؤدي، من دون قصد، إلى زيادة الإنتاج من قبل الدول خارج أوبك، خصوصاً النفط الصخري في الولايات المتحدة، وبالتالي فقدان المنظمة لجزء من حصتها السوقية».
وأضاف التقرير: «على رغم أن نمو إنتاج النفط الخام الأميركي الحلو الخفيف بقي يتسارع خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن توقف الإنتاج في عدد من الدول أدى إلى تأجيل انعكاس زيادات الإمدادات الأميركية على أسعار النفط». وطرأ تغير كبير على حجم الطلب على النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، استجابة للزيادة السريعة في الأسعار خلال العقد الماضي، وبلغ متوسط سعر خام برنت عام 2003 نحو 28 دولاراً للبرميل، ولكنه ارتفع بسرعة إلى متوسط 73 دولاراً للبرميل عام 2007، ثم قفز إلى متوسط تجاوز 100 دولار للبرميل منذ العام 2011.
ولفت إلى أن «المخاوف من المشاكل الجيوسياسية، التي تسببت سابقاً في الإبقاء على أسعار النفط عند حد أدنى مرتفع، تراجعت الآن بدرجة كبيرة، فصادرات الخام العراقية بقيت مستقرة عند 2.4 مليون برميل يومياً، كما أن النزاع الروسي الأوكراني لم يؤثر في الإمدادات النفطية الروسية». وأشار إلى أن «ضعف النمو الاقتصادي، خصوصاً في دول الاتحاد الأوربي واليابان، لا يزال يؤثر سلباً على استهلاك النفط في دول التعاون الاقتصادي والتنمية، كما أن معدلات النمو في الصين تتراجع، ويكافح اقتصاد الاتحاد الأوروبي لتحقيق زخم اقتصادي، ولكن الانكماش المتواصل في نمو الأسعار يبقى.

توقعات لأسعار النفط
وعن مستقبل أسعار النفط، أشار التقرير إلى «مجموعة عوامل ستؤدي إلى وصول الأسعار إلى أعلى مستوياتها، العامل الأول يتمثل في انقطاع الإمدادات من المناطق غير المستقرة سياسياً التي تعاني مشاكل جيوسياسية، مثل العراق وإيران وروسيا وأوكرانيا، يُرجح ارتفاع الأسعار وعودتها إلى أكثر من 100 دولار للبرميل، والثاني تحسّن جذري في اقتصاد الاتحاد الأوروبي واليابان، والثالث خفض في إنتاج أوبك، ما قد يرفع سعر البرميل إلى 100 دولار عام 2015 و95 دولاراً عام 2016».
ولكن هذه العوامل مستبعدة فالإمدادات العراقية مستقرة، ومخاوف جديدة في شأن الإمدادات الروسية، كما أن الاقتصاد الياباني انزلق أخيراً إلى الركود، وعدد كبير من دول الاتحاد الأوروبي لا تزال تعاني على رغم التوقعات بتحسن الاقتصاد الأوروبي عام 2015، في حين أن خفض إنتاج «أوبك» لا يزال مستبعداً في المدى المنظور. أما السيناريو الأكثر ترجيحاً، فيتمثل في أن «يؤدي انتعاش الاقتصاد العالمي ونمو قوي في الأسواق الناشئة، خصوصاً الصين، والارتفاع الطفيف في اقتصادات الاتحاد الأوروبي واليابان خلال العامين المقبلين، إلى انتعاش أسعار النفط إلى نحو ما نحو 85 دولاراً للبرميل كمتوسط للعامين 2015 و2016».

الأسعار و الاقتصاد السعودي
ولاحظ التقرير أن «استجابة المملكة العربية السعودية لتراجع أسعار النفط جاءت من خلال خفضها لأسعار البيع الرسمية، إذ خفضت الأسعار لكل مناطق التصدير، أي أوروبا وأميركا وآسيا. ويشير قرار السعودية المتمثل في خفض أسعار بيع النفط، بدلاً من خفض الإنتاج، إلى أن في ظل سوق نفط عالمية تشهد منافسة حادة، مع وفرة كبيرة في الإمدادات من دول خارج «أوبك»، لا تشكل الأسعار أولوية في الوقت الحالي، بل تعتبر زيادة الحصة السوقية، أو الحفاظ عليها، الأولوية الكبرى. ولذلك، استبعد التقرير «تراجع إنتاج المملكة خلال العامين المقبلين في شكل كبير، إذ سيبلغ متوسط الإنتاج للعام الحالي 9.7 مليون برميل يومياً، و9.6 مليون برميل عام 2015، و9.4 مليون برميل عام 2016».
وتوقع التقرير «عجزاً في الموازنة السعودية نسبته 2.7 و5.7 في المئة عامي 2015 و2016 على التوالي، بينما يُنتظر بقاء الإنفاق الجاري والرأس مالي مرتفعين، في حين قد يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى المستوى الذي ينتج منه عجز في الموازنة إلى خلق تأثير نفسي سلبي على أداء القطاع الخاص».
واعـــــتـــبر أن «الـــــوضــــع الــقوي للاحتياطات الأجنبية التي تتجاوز 95 في المئة من الناتج المحلي، وانخفاض الدين العام إلى أقل من اثنين في المئة من الناتج المحلي، سيضـــعان الحكومة في وضع مريح يتيح لها التأقلـــم التدريجي مع المستوى الجديد لأسعار النفط المنخفضة، وتفادي إجراء خفض حاد في برامج الصرف في الموازنة يؤدي إلى إعاقة أداء القطاع الخاص، ولذلك سيبقى الإنفاق الحكومي محرك الاقتصاد».