IMLebanon

خيارات المصارف المركزية محدودة في 2015

CentralBanks
غريتا صعب
«نتوقع أن تستعد المصارف المركزية لمحاربة الانكماش مع سياسة مالية تبقي أسعار الفوائد متدنية والسيولة وافرة خلال العام 2015»، هذا ما قاله Joachim Fels كبير الاقتصاديين في Morgan Stanley منذ أيام. وبينما يتوقع الاقتصاديون أن يقوم مجلس الاحتياطي الفيديرالي وبنك انكلترا برفع أسعار الفوائد في العام 2015، يبدو أنّ المعطيات توحي بغير ذلك ولا سيّما أنّ المصارف المركزية تعلم علم اليقين أنّ النموّ في العالم ما زال ضعيفاً والديون ترتفع، ولا يمكنها الاعتماد كثيراً على الحكومات في سياساتٍ ضريبية تخفّف من الأزمة.
هذا ما قالته يلين رئيسة الاحتياطي الفيديرالي يومَ 7 تشرين الثاني خلال مؤتمر المصارف المركزية في باريس حيث شدّدت على أنّ سياسة الدعم لا تزال ضرورية في ظل تباطؤ الانتعاش وكون السياسة الضريبية ما زالت انكماشية. وحسب يلين، يجب على المسؤولين المثابرة في اتخاذ تدابير استثنائية.

ويتهافت صانعو السياسة النقدية لتقديم الدعم للاقتصاد العالمي الهش في ظلّ تباطؤ النموّ في منطقة اليورو والصين واليابان وهذه الأخيرة دخلت فترة الانكماش للربع الثاني على التوالي ما دفع Abe إلى تأجيل الزيادة الثانية للضرائب والدعوة لانتخابات مبكرة.

لذلك وحسب Thomas Mayer كبير الاقتصاديين السابق في البنك الألماني AG يبدو أنّ مهمة حكام المصارف المركزية تبدو الآن شبه مستحيلة وقارن هذه المهمة بما حدث مع الاميركيين في حربهم في العراق إذ إنّ دخولهم المعركة وفوزهم في المعارك الأولى كانت سهلة ولكنهم اصطدموا حين جاء موعد الانسحاب.

وبالفعل هذا صحيح ولا سيما بعد ست سنوات من التحفيزالنقدي ومحاولات الإنسحاب منه أخيراً وأثره في أسواق الأسهم التي شهدت تراجعاً على مثال مؤشر MSCI في النصف الأول من شهر أكتوبر ثم استعاد عافيته في الأسابيع التالية – وتفسير ذلك محدود جداً ولا يمكن أن نعزو ذلك إلاّ لتباطؤ النموّ العالمي وتهديد الانكماش والسياسات النقدية التي استُنفدت والتساؤلات حول امكانية رفع أسعار الفوائد الذي قد ينعكس سلباً على النموّ كما حدث في العام 1937 عندما زادت المعدلات من مجلس الاحتياطي الفيديرالي ما أدّى إلى القضاء على الانتعاش في الولايات المتحدة وأطالوا أمد الكساد العظيم.

وقد تكون الدروس واضحة أيضاً من خبرة السويد في هذا المجال حيث رفع المركزي السويدي أسعار الفوائد في العام 2010 و2011 ثم اضطر إلى الرجوع إلى الخلف هكذا كان الوضع مع المصارف المركزية الأخرى.

وفي غضون ذلك نرى انخفاضاً في أسعار النفط وآثاره المباشرة في التضخم ولا سيما أنّ النفط سلعة أساسية وانخفاض اسعاره عالمياً يساعد إلى حدّ بعيد في خفض معدل التضخم الذي هو منخفض أصلاً. هذا الوضع قد يؤثر بشكل كبير في بعض الاقتصادات التي تعاني من تضخم منخفض.

لذلك قد يكون السؤال الذي يطرح نفسه ما هي خيارات المصارف المركزية الكبرى في رفع أسعار الفوائد في ظل تراجع التضخم وانخفاض أسعار النفط الهائل؟ وكيف يمكن للفيديرالي الأميركي أن يخرج من سياسة نقدية تحفيزية ويرفع أسعار الفوائد خصوصاً أنّ قطاع الطاقة يتراجع نظراً إلى انخفاض أسعار النفط، وهل يتصرفون بشكل يعيد الخطأ الذي ارتكب عام 1937 حيث رفعت الفوائد وقضي على أيّ احتمال للانتعاش الاقتصادي. لذلك يتوقع الاقتصاديون أن يبقى الاحتياطي الفيديرالي أسعار الفوائد منخفضة لفترة زمنية أطول. وللعلم فإنّ بقية العالم يواجه مشكلات مماثلة.

فبنك اليابان المركزي والمركزي الأوروبي والصين والبنك الوطني السويسري وغيرها من صنّاع السياسات الاقتصادية كلها تسير نحو انخفاض في أسعار الفوائد ولفترة أطول. هذا عدا عن استعدادهم في مواصلة التيسير الكمي ولا سيما في اليابان التي تواصل سياستها العدوانية في هذا المجال والمركزي الأوروبي الذي ما زال يكافح للوصول إلى هذه المرحلة خصوصاً أنّ أوروبا لا تزال تتخبط في مشكلات ديونها ونظامها المصرفي المتعثر.

لذلك قد يكون ضعف الطلب العالمي وانخفاض أسعار النفط وغير ذلك من العوامل قد يوثر في التضخم إن في أميركا او في الدول الصناعية الاخرى ما يجعل من الصعب الاقلاع في بدء العام 2015 بسياسات جديدة تنشّط الاقتصاد وتساعد التضخم في الوصول إلى المستويات المطلوبة، لذلك قد يكون على المصارف المركزية في العالم وعلى الارجح في دول صنّاع القرار أن تبقي فوائدها متدنية ريثما تشير الأمور إلى الاتجاه الصحيح والى مزيد من التأكيد على أنّ الاقتصادات ولا سيما الاقتصاد الأميركي، بما فيها سوق العمل، على درجة كافية من القوة، هذا وقال William Dudley رئيس بنك الاحتياطي الفيديرالي في نيويورك اخيراً أنّ الأمور غير مؤكدة وهي رهن البيانات الواردة وعوامل أخرى قد تغير النظرة الاقتصادية للأمور.

وهنالك سبب آخر يجبر البنوك المركزية على أخذ الحيطة من حيث رفع أسعار الفوائد، وهو نسبة الدين، ناهيك عن مستوى الديون في الاقتصاد العالمي، باستثناء الشركات المالية، وقد تراكم أكثر من ثلثه في العام 2008 وذلك حسب تقرير صدر عن المركز الدولي للدراسات النقدية والمصرفية في جنيف، والمزيد من الديون يعني زيادة تكلفة على الحكومات والشركات والمستهلكين في ارتفاع أسعار الفوائد وهذا يترجم عملياً في تعثر النموّ.

لذلك نرى عملياً أنّ المصارف المركزية تتصارع مع النموّ والبطالة من جهة وخطر الانكماش وانخفاض أسعار النفط من جهة أخرى إذ إنّ التوجهات في الوقت الحاضر هي نحو عواقب انخفاض أسعار النفط عالمياً والذي يزيد من خطر الانكماش ويعني زيادة في البطالة، علماً أنّ الاقتصادات التي تعتمد على الواردات من الطاقة مثل منطقة اليورو واليابان والصين والهند سوف تحصل على دعم كبير يعادل تخفيض الضرائب ويُترجَم انخفاضاً في التضخم ما يعني ضغوطاً خفيفة على زيادة أسعار الفوائد.

هكذا نرى أنّ العام 2015 لن يشهد تغييراً يُذكر في حركة السياسة النقدية والمالية العالمية وقد يكتفي بالترقب للبيانات والتقديرات التي ولغايته لم تعطِ أيّ اشارة ايجابية تُذكر خصوصاً مع ضغط الانكماش في منطقة اليورو والركود الذي يواجه اليابان والتباطؤ في النموّ الذي تشهده الصين. وإن كانت التقديرات تقول إنّ الربع الثاني في العام 2015 قد يشهد تغيراً في الفوائد يبقى ذلك رهن إشارات عدة وتوقعات جاءت لغاية الآن متشائمة.

يقول الخبراء الاقتصاديون إنّ أفضل استراتيجية تتبع قد تكون مراقبة البيانات عن كثب وعدم اتخاذ أيّ قرار يُذكر ريثما تتبلور الأمور في الأسواق المالية والنقدية.

وتبقى البيانات الصادرة غير متفائلة بشأن النموّ العالمي ولا سيما أنّ معظم اقتصادات العالم تترنّح تحت 1 بالمئة من التضخم وهي ظاهرة فريدة منذ العام 2009، ويبقى على حكام المصارف المركزية في دول القرار الاكتفاء بمراقبة هذه البيانات ريثما تنضج الصورة أكثر مع العلم أنّ خياراتهم محدودة جداً وأيّ تحرك لا يأخذ بالاعتبار ردات فعل السوق قد تعيد الأمور إلى ما هي عليه في العام 2008. وهنا تكون المعركة الوحيدة التي ستخوضها هذه المصارف هي مشكلة الانكماش العالمي السائد.