عامر ذياب التميمي
بعد صدور حكم البراءة على الرئيس المصري السابق حسني مبارك تظاهر محتجون مطالبين بالقصاص لضحايا ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011. لكن وعلى رغم أهمية القصاص للشهداء وطمأنة ذويهم إلى أن مصر يحكمها القانون العادل، يبدو أن معظم المصريين مهتمون بقضايا حيوية أخرى أهمها إنعاش الاقتصاد وتأمين فرص عمل للملايين من المصريين وتحسين ظروف المعيشة. فكيف يمكن أن تتحقق تلك الأهداف بعدما عصفت الفوضى وغاب الأمن بمصر خلال السنوات التي تلت سقوط نظام مبارك؟
لا شك في أن النظام السابق مسؤول إلى درجة كبيرة عما آلت إليه الأحوال السياسية والاقتصادية من انتشار للفساد في مختلف المرافق والمؤسسات، بيد أن الأوضاع الاقتصادية تدهورت منذ سقوط ذلك النظام ولم تتحسن إطلاقاً بسبب غياب الاستقرار الأمني وانتشار الاضطرابات وعمليات الإرهاب. وربما كانت الأوضاع لتتدهور أكثر لولا قيام انتفاضة الشعب والجيش في 30 حزيران (يونيو) 2013، لكن ذلك لا ينفي أن الأوضاع المصرية تتطلب معالجات واسعة النطاق وتأميناً للأموال اللازمة للإنفاق الرأسمالي والاستثمار في القطاعات الحيوية والمجدية التي توجد فرص عمل وتدر عائدات على المستثمرين.
وبعد انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي في حزيران الماضي ومع اقتراب عام 2015، بات مستحقاً انتخاب مجلس نيابي يعكس الاتجاهات الاجتماعية والسياسية المتنوعة في المجتمع المصري. ويتعين على الحكومة تحديد أهداف التنمية خلال السنوات المقبلة وسبل مواجهة النمو السكاني المتسارع وضعف معدلات النمو الاقتصادي ومحدودية الموارد المالية المتاحة للإنفاق على المشاريع الحيوية. صحيح أن هناك العديد من المشاريع المعلنة، كمشروع توسيع قناة السويس الذي تمكنت الحكومة من تأمين التمويل المناسب له من خلال إصدار سندات وصكوك ملكية اكتُتب فيها في شكل لافت، لكن مصر تظل في حاجة شديدة إلى التمويل الميسر من المؤسسات المالية الدولية والبلدان الصديقة كبلدان الخليج والاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة.
وقد لا يكون مانحون مستعدين لتقديم التمويل بشروط ملائمة للمصريين، أو تأمين المقدار المناسب للمشاريع الإنمائية أو الاستثمارية، لكن الحكومة المصرية يجب أن تجتهد للحصول على الأموال بشروط ملائمة، حتى لو لم تكن متوافقة مع المتطلبات المصرية كلها. وجاءت التطورات غير المواتية في أسواق النفط وتراجع الأسعار ومن ثم انخفاض إيرادات بلدان الخليج من مبيعات النفط لتعقد عمليات تمويل الاقتصاد المصري، ولذلك لا بد من التكيف وتعديل المتطلبات لتصبح أكثر واقعية.
لنفهم الأوضاع الاقتصادية في مصر لا بد من أن نذكر بعض المعلومات. يقدَّر عدد سكان مصر بحوالى 82.5 مليون شخص، لا يشملون المقيمين في الخارج وعددهم حوالى ثمانية ملايين شخص. ويقدَّر معدل النمو السكاني في مصر بحوالى 2.5 في المئة سنوياً في حين يبلغ متوسط الخصوبة (عدد الأطفال لكل امرأة في سن الإنجاب) بحوالى 3.5 طفل. ولا شك في أن هذه المعدلات مرتفعة وتضغط على الخدمات وبرامج التعليم والرعاية الصحية. كذلك فالشعب المصري من الشعوب التي ترتفع فيها نسبة صغار السن والشباب فمن هم دون الخامسة عشرة يساوون 31.1 في المئة من السكان، ومن هم دون الخامسة والعشرين يعدّون 50.5 في المئة.
هكذا تتضح ملامح الالتزامات المهمة لقطاع التعليم والرعاية الصحية ولسياسة التشغيل في ظل سوق عمل محددة الإمكانات والنشاطات، فالنظام التعليمي في مصر لم يتطور بما يناسب المتغيرات الحديثة في حقول الإدارة والتكنولوجيا وبما يساعد على تأمين مخرجات تتوافق مع متطلبات الشركات والمؤسسات الأجنبية التي قد تفد إلى مصر للاستثمار وإقامة مشاريع، إذا أتيح لها العمل في مصر وفق شروط مقبولة. وتراجع التعليم الجامعي في مصر خلال العقود الماضية بسبب السياسات الشعبوية التي اتبعت منذ ثورة تموز (يوليو) 1952.
كذلك سجلت قيمة الناتج المحلي الإجمالي في مصر العام الماضي 540 بليون دولار أي أن المتوسط السنوي لدخل الفرد يعادل 6.545 دولار. ويُتوقع أن يكون معدل النمو العام في مصر 2.2 في المئة، ويأمل المسؤولون في أن يبلغ معدل النمو متوسطاً مقداره 4.2 في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة. ويبلغ معدل البطالة 12.3 في المئة من قوة العمل، وثمة تقديرات غير رسمية أعلى إلى جانب تقديرات بأن كثيرين من العاملين المصريين منخرطون في أعمال غير منتظمة أو لحسابهم الخاص. ولا تزال مؤشرات قياس الحرية الاقتصادية غير مواتية إذ تأتي مصر في المرتبة 135 على المستوى العالمي. ولم تزد الاستثمارات الأجنبية المباشرة العام الماضي عن 4.1 بليون دولار، وهو معدل متدنٍ جداً لبلد مثل مصر، خصوصاً مقارنة به في عهد مبارك.
واضح أن متطلبات إعادة الحيوية إلى الاقتصاد المصري تستلزم تأمين الاستقرار السياسي وتعزيز الديموقراطية وحكم القانون بدءاً بانتخاب برلمان بأسرع وقت. ولا بد من ضمان الأمن ووضع حد للإرهاب. وربما يكون مفيداً لمصر، حكومة وأحزاباً سياسية ومجتمعاً مدنياً، التوافق حول برنامج اقتصادي واقعي وتطوير آليات العمل الاقتصادي بما يمكّن من تحقيق برامج التنمية والارتقاء بمستويات المعيشة.