ذكرت مصادر نيابية بارزة لـ “الحياة” أن النواب تداولوا في الأفكار التي حملها نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية السفير جان فرنسوا جيرو الى بيروت وأجمعوا على أنهما انطلقا من قاسم مشترك هو ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس جديد شرط أن يأتي تتويجاً للتوافق بين الأطراف السياسيين.
ولفتت المصادر الى أن الاختلاف في خلفيات مجيء جيرو الى بيروت ومجيء بوغدانوف هو أن الأول لم يحمل معه مبادرة فرنسية تتعلق بانتخاب الرئيس بل انه ركز في محادثاته على أنه جاء بناء لإلحاح إيراني على ضرورة إخراج لبنان من وضعه المأزوم، بعد مبادرة طهران الى الاتصال به.
وأكدت أن جيرو اعتبر، كما نقل عنه من التقوه، أن إلحاح طهران على باريس للقيام بعمل ما لإخراج ملف الرئاسة الأولى من التجاذبات والسجالات التي ما زالت تؤخر انتخاب الرئيس، ما هو إلا مؤشر الى بداية تحول في الموقف الإيراني على خلفية إمكان تحييد لبنان عن الصراع الدائر في سورية واستيعاب التأزم الذي يمر فيه بدءاً بالسعي الحثيث لدى الأطراف الفاعلين للتوافق على انتخاب رئيس جديد.
وقالت المصادر ان جيرو شعر بهذا التحول وقرر المجيء الى لبنان لاختبار قدرة الأطراف على التوافق.
ومع أن جيرو – وفق هذه المصادر – لم يلق الضوء على دوافع إيران لتعديل موقفها والموافقة على انتخاب رئيس توافقي، فإن معظم النواب اعتبروا أن لا مصلحة لطهران في أن يبلغ التأزم مرحلة يصعب الرجوع عنها، وبالتالي تعتقد أن انتخاب رئيس توافقي هو المفتاح الوحيد لاستيعاب التأزم وقطع الطريق على تفاقمه.
كما أن المصادر نفسها تعتقد أن هناك حاجة للتعاطي مع المرونة التي أظهرها بوغدانوف في محادثاته في بيروت، لجهة تأييده “إعلان بعبدا” ودعمه التوافق على الرئيس على رغم أنه أكد أن لا جدوى من محاولات إقناع رئيس “تكتل التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون بأن يكون شريكاً في إنتاج الرئيس.
وتضيف أن بوغدانوف بحث الأمر مع الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله، لكنه لم يفصح عن تفاصيل المداولات بينهما. مع أن هذه المصادر تستبعد أن تكون موسكو في وارد تعديل موقفها وبشكل أساسي من النظام السوري على رغم أنها تسعى لفتح الباب أمام حوار بينه وبين المعارضة في سورية، لأنها مضطرة أكثر من أي وقت، للتشدد في تأييدها للرئيس بشار الأسد، وعدم استعدادها، في المدى المنظور، للتفريط بهذه الورقة من دون مقابل، في ظل تصاعد العقوبات الأميركية والأوروبية ضدها بسبب الأزمة الأوكرانية والتي أخذت تؤثر سلباً في الوضع الاقتصادي الروسي، إضافة الى امتعاضها الشديد من التسهيلات العسكرية التي يقدمها عدد من الدول التي كانت سابقاً في حلف وارسو قبل أن ينهار الاتحاد السوفياتي وانضمت أخيراً الى حلف الناتو وسمحت له بأن يقيم في بلادها قواعد عسكرية.
وتعتبر المصادر النيابية أن عون في الاجتماع الأخير لـ “تكتل التغيير” وإشارته الى إعادة النظر في الطائف ما لم ينتخب رئيساً للجمهورية، وبالتالي إصراره على البقاء في المعركة الرئاسية لم يكن من داعٍ له لو لم تصله الرسالة الفرنسية التي حملها إليه جيرو والتي تحظى بدعم إيراني إلا إذا قررت طهران لاحقاً العودة عن دعمها لانتخاب رئيس توافقي.
وتضيف أن عون اعتاد على المواقف التصعيدية في كل مرة تصله أخبار غير سارة تتعلق بتراجع حظوظه الرئاسية، وتؤكد أنه أراد من موقفه الأخير أن يحرج “حزب الله” كما أحرجه سابقاً عندما أصر على المشروع الأرثوذكسي للانتخابات النيابية ثم انتخاب الرئيس على مرحلتين.
وترى المصادر أن عون بدأ يعد لتنظيم حملات سياسية وإعلامية لعله يعيد الإجماع الدولي والإقليمي على انتخاب رئيس توافقي الى نقطة الصفر. علماً أن الموفدين الروسي والفرنسي لم يطرحا في لقاءاتهما اسم أي مرشح لأن هذا متروك للبنانيين لعلهم يقدرون دقة الوضع التي تستدعي منهم التوافق على رئيس لإعادة العافية ولو تدريجاً الى بلدهم، وبالتالي فإن كل ما أشيع عن أنهما طرحا أسماء يراد منه إجهاض التحرك الفرنسي.