IMLebanon

تحطم افتراضات آسيا مع تهـاوي أسعار النفط

OilPricesDown2

جيريمي جرانت

أسعار النفط الهابطة دفعت الناس إلى هجر افتراضاتهم حول أمور كثيرة: مدى جدوى بعض مشاريع الحفر في المياه العميقة، والرهان على قومية الموارد في روسيا بوتين، وحتى الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية في فنزويلا، حيث يشكل النفط 96 في المائة من إيرادات الصادرات.

الآن، في جنوب شرقي آسيا – وهي منطقة يمكن خلال فترة قريبة أن تصبح فيها الاقتصادات سريعة النمو، مثل فيتنام وماليزيا، من البلدان التي تستورد الطاقة بشكل صافٍ، هناك بعض الافتراضات الأخرى التي تتعرض للتحطيم.

كشفت “بتروناس”، شركة النفط والغاز الماليزية المملوكة للدولة، أنه إذا راوح سعر النفط في السنة المقبلة عند 70 إلى 75 دولاراً للبرميل، فإنها تعتزم تقليص “أرباح الأسهم” التي تدفعها إلى الحكومة سنويا.

وهذا يعتبر من باب الصدمة، بالنظر إلى أن ماليزيا التي تستمد نحو ثلث إيرادات الدولة من “بتروناس”.

هذه الشركة من دعامات التمويل الحكومي منذ أن أنشئت في 1974 لتكون المسؤولة عن ثروة النفط والغاز التي لا يستهان بها في ماليزيا – وهو دور يتجسد من خلال البرجين التوأم الهائلين لشركة بتروناس، اللذين يبرزان في سماء كوالالمبور.

إضافة إلى ذلك، قالت “بتروناس” إنها سوف تقلص الإنفاق الرأسمالي بحدود 15 إلى 20 في المائة، على خلفية أسعار النفط الهابطة. وهي واحدة من شركات النفط الكبيرة التي تحاول الحد من الإنفاق الرأسمالي من أجل التكيف، مع ما يبدو أنه “الوضع الطبيعي الجديد” لأسعار النفط – حتى الآن على الأقل.

يقول سايمون فلاورز، وهو مستشار لشؤون الطاقة لدى وكالة وود ماكينزي، إن الاستثمار في المشاريع التي لم تحصل بعد على الموافقة النهائية سيكون مهددا على الأمد القصير.

وتشير تقديراته إلى أن هناك خططا لإنفاق تريليون دولار على التطوير من خلال هذه المشاريع على المستوى العالمي بين 2015 و2019، حيث من المقرر إنفاق 127 مليار دولار في عام 2015 وحده.

هذا يعتبر نبأ سيئا بالنسبة لشركات خدمات النفط أيضا – وكثير منها كانت تخطب ود المساهمين في لندن ونيويورك، على خلفية أسعار النفط العالية وتضخم الطلبات من شركة بتروناس وغيرها.

إلى جانب شركات الحفر، تشتمل هذه الشركات على شركات بناء آلات الحفر، مثل شركة كيبيل وشركة سيمبو كورب SembCorp Marine المدرجتين في سنغافورة، وهما تشكلان معا 70 في المائة من المبيعات العالمية لما يسمى آلات الحفر ذات “الرفع الذاتي”. وهذه الآلات مستخدمة بصورة واسعة في حفر النفط والغاز في البقع الساخنة، في المناطق المغمورة في البرازيل والمكسيك.

يقول محللون في ماي بانك، أكبر بنك في ماليزيا من حيث الأصول، إنه حتى مع آفاق إيجابية على الأمد الطويل، فإن شركات الحفر لن تكون في عجلة من أمرها لتطلب آلات حفر جديدة، وأن هذا سيكون “سلبيا” بالنسبة لشركات بناء الحفارات في سنغافورة.

تراجعت أسهم شركة سابورا كينكانا SapuraKencana، وهي شركة ماليزية وأكبر شركة في العالم لتشغيل حفارات التموين المقطورة للحفر في المناطق المغمورة، بنسبة 10 في المائة في اليوم الذي أعلنت فيه شركة بتروناس عن نيتها في الأسبوع الماضي.

وقد تراجعت أسهم شركتي كيبيل وسيمبو كورب SembCorp بنسبة 20 و18 في المائة على التوالي منذ أوائل تموز (يوليو) حين بدأ سعر خام برنت في الهبوط.

كذلك هناك مضامين كبيرة لأسعار النفط الهابطة على المجال الآخر الكبير في أعمال شركة بتروناس، وهو الغاز الطبيعي المسال، لأنه يغلب على أسعار الغاز أن تتبع أسعار النفط بعد انقضاء عدة أشهر.

وكانت “بتروناس” من أنشط شركات التنقيب عن الغاز في منطقتها، لكنها تعترك الآن أيضا مع فكرة الاستمرار أو عدم الاستمرار في مشروع ضخم للغاز الطبيعي المسال في كندا.

تعود جذور هذا المشروع إلى شراء شركة بروجريس إنيرجي في 2012 مقابل خمسة مليارات دولار، وقد كلف ذلك شركة بتروناس حتى الآن خمسة مليارات أخرى في أعمال التنقيب، وإنشاء البنية التحتية في منطقة ساحلية نائية من مقاطعة بريتش كولومبيا.

يتوقف الكثير على هذا المشروع بالنسبة إلى “بتروناس”، التي أصبحت رابع أكبر منتج للغاز بعد شركات قطر للبترول وشل وإكسون موبيل. ويقول سيتي بانك إن التخفيض الحاد في النفقات الرأسمالية للنفط والغاز “يحمل معه مخاطر لا يستهان بها بالنسبة للدورة الاستثمارية لماليزيا.”

ولا يتوقف الأمر على شركة بتروناس فقط، فهناك كمية متزايدة من التنقيب في جنوب شرقي آسيا تركز على الغاز الطبيعي المسال. تحاول سنغافورة أن تصبح مركزاً نشطا لتخزين هذا النوع من الوقود في آسيا، في الوقت الذي تتحول فيه الصناعة بعيداً عن العقود طويلة الأجل ذات الأسعار الثابتة، إلى نظام للأسعار الفورية أكثر ارتباطا بالسوق. شركة بترامينا، شركة الطاقة الإندونيسية المملوكة للدولة، تصبح الآن أكثر تعاملا في الغاز الطبيعي المسال، مثل الشركة الماليزية.

هناك عوامل لبس كبيرة: إمكانية فرط العرض من الغاز الطبيعي المسال من الحقول في أستراليا، وغياب الوضوح حول ما ستعنيه ثورة الغاز الصخري الأمريكي بالنسبة لآسيا من حيث العرض أو الأسعار.

كل هذا يُظهِر أن النشوة التي أظهرها المستثمرون حين كان سعر النفط يحوم حول 100 دولار للبرميل، لم تكن في محلها. والآن وقد أخذ سعر النفط يهبط إلى هوة سحيقة، فإن التحديات باتت أكبر حتى من ذي قبل.