ليون برخو
الكتاب الذي نحن بصدده عنوانه: “رأس المال في القرن الواحد والعشرين” لمؤلفه الفرنسي عالم الاقتصاد الشهير توماس بيكتي لم تستغرق ترجمته الرائعة إلى الإنجليزية وطبعه أكثر من شهرين بعد صدوره. ومنذ صدوره في مستهل العام الحالي ظهرت له ترجمة سويدية والكتاب متوفر الآن بالسويدية بطبعة ورقية ورقمية وله ملخص بالسويدية أيضا والملخص متوفر بطبعة ورقية ورقمية أيضا ويبدو لي أن الدولة دعمت المترجم والطبع لأنه لا يعقل أن يكون سعر النسخة السويدية الورقية لكتاب حجمه أكثر من 700 صفحة 90 كرونا (نحو عشرة دولارات).
أغلب الكتب الأكاديمية محدودة التدوال وقلما تجلب أرباحا لمؤلفيها أو حتى دور نشرها. ولكن لم يكن الأمر هكذا مع كتاب بيكتي، الذي وحسب آخر إحصائية تفوق في المبيعات في أمريكا حتى على الكتب الروائية لكبار الأدباء إلى درجة أنه صار أكثر الكتب المرغوبة قراءة لدى السواح والمسافرين أيضا.
الكتاب صار مادة دراسية جامعية، وكذلك مادة يرجع إليها أصحاب القرار في الدول الغربية، لأنه لا يؤشر إلى الخلل الاقتصادي– أي ينتقد فقط– بل يقدم المقترحات والحلول للخروج من الواقع الحالي، الذي تنعدم فيه المساواة، حيث تسيطر فئة قليلة جدا على مصادر الدخل والثروة وتزيد من تكديسها لها دون أن تقدم خدمة اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية ذات نفع عام للفرد والمجتمع.
وعدم المساواة، التي يدرسها بيكتي بتفصيل وعلمية ورصانة ويكتشف مسبباتها ويسلط الأضواء على مساوئها بدأت تأخذ أشاكالا مختلفة، حيث جعل منها الباحثون والجامعيون ومراكز الأبحاث مادة لدراساتهم المستندة إلى النظريات، التي أتى بها الكتاب وكل هذا والكتاب لم تمض سنة بعد على صدوره.
والنظام الرأسمالي مبني على عدم المساواة في توزيع الدخل، لأنه يؤمن أن تكديس الثروة لدى فئة قليلة حتى لو كانت تمثل واحدا في المائة من السكان لا بد أن تعم نعمة تلك الثروة على المجتمع برمته لأن أصحابها مستثمرون ورواد بالفطرة، ولا بد أن يشغلوها أو يستثمروها ومن خلال الاستثمار هذا يستفيد الكل.
بيكتي يتحدى هذا المفهوم ويقول إن كان صحيحا في الماضي، فإن التطور التكنولوجي وتطور المجتمع الرأسمالي ذاته المستند إلى الرأسمالية أخذ يعطي نتائج عكسية.
فآخر تقرير لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية يؤكد ما ذهب إليه بيكتي، حيث يقول إنه لولا عدم المساواة والفوارق في الدخل بين الفقراء والأغنياء لكان الاقتصاد البريطاني أكبر حجما مما هو عليه الآن بأكثر من 20 في المائة.
وهناك حقائق مذهلة في تقرير المنظمة المهمة هذه، ما يعاكس التوجهات الرأسمالية في بريطانيا وأمريكا أو أي بلد أو نظام تزداد فيه الفروقات بين الفقراء والأغنياء.
كتاب بيكتي لم يأخذ مداه بعد، لأننا عادة ننتظر في أقل تقدير ثلاث سنوات للكتب الأكاديمية الرصينة كي تفعل فعلها ويتوقع النقاد له تأثيرا يفوق ما أحدثه كتاب ثروة الأمم لآدم سمث أو رأس المال لكارل ماركس.
السويد ذات التسعة ملايين نسمة ترجمت الكتاب إلى لغتها الوطنية وجعلته متاحا بسعر رمزي تقريبا لمواطنيها، وهناك 350 مليونا من العرب ودولهم الـ 22 ربما لم يسمعوا به بعد رغم أن بؤرة الثروة الاستراتيجية في العالم اليوم تقع في المنطقة العربية وخصيصا دول الخليج العربية.