IMLebanon

صناعة كراسي القش في صيدا تتجدد لأسباب إقتصادية!

StrawFurniture
سامر زعيتر

صناعة كراسي القش والسلال مهنة تتجدد
ينضم إليها أناس جدد، رغم أنها لم تعد تلقى رواجاً في البلاد، فكيف يكون ذلك وما هي الأسباب، أم أن هناك تطوّرات مستجدّة؟…
أسئلة عديدة تستوقفنا أمام المهن التراثية التي يُخشى انقراضها، فيما نرى يوما بعد آخر استمرار أصحابها بمزاولتها، الأمر الذي يستدعي التوقف أمام هذه الظاهرة الغريبة، فما هو السر يا ترى؟ وهل باتت هذه المهن تعطي دخلاً أم أن مزاولتها أصبح ادماناً لدى العاملين بها؟ وماذا عن اضطرار البعض الآخر لتأمين عمل رديف؟…
تردّي الأوضاع الاقتصادية وغياب فرص العمل، جعل العديد من الناس يعودون إلى المهن القديمة، والتي لا يزال الطلب عليها ساري المفعول، إن جاز التعبير، أو بانتظار الانتقال إلى مهن أخرى وتغيّر الأحوال وربما البلاد…
كل ذلك استدعى قيام «لـواء صيدا والجنوب» بزيارة خاطفة للتعرّف على جديد مهنة صناعة كراسي القش في مدينة صيدا، فكانت هذه الانطباعات…

الحفاظ على مهنة الآباء
* مقابل مرفأ الصيادين، لا يزال حسين كوسا يتابع مهنة والده وشقيقه التي بدأت في أواخر السبعينيات قبالة المرفأ لتكسبه سنوات العمل السرعة في الإنجاز وتطوير المصلحة مواكبة لرغبات الزبائن وأذواقهم.
وعن ذلك يشير إلى «أن البعض اختار ركوب غمار البحر طلباً للرزق، لكن والدي وفيق كوسا اختار فتح محل لصناعة كراسي القش، لكن تلك المهنة التي ازدهرت فترة من الزمن، لم تعد كذلك اليوم، فقلّة من أبناء المدينة وعائلاتها لا يزالون يعملون في هذه المهنة، فالعديد منهم فضّل ترك المصلحة, لأنها لم تعد تعطيه مورداً للرزق».
ويقول: «لا يزال المحل على حاله، رغم مرور عقود من الزمن، كانت فيها مقاعد القش أساس المقتنيات المنزلية للعائلات، ولكنها اليوم تحوّلت إلى مهنة لا تعطي الكثير من المال بسبب اكتشاف النفط، فجاء عصر كراسي البلاستيك بدلاً عن الكراسي الخشبية التي تحوّلت للزينة فقط».
وعن أحوال المهنة يوضح أنه «عدت إلى مهنة والدي، بعدما تركتها فترة من الزمن، وبذلك بقينا مع قلّة من العاملين في هذا المجال في صيدا مصلحة لا يتجاوز العاملون فيها أصابع اليدين، فإضافة إلى محلنا، هناك ثلاثة محال في سوق النجارين يملكها كل من آل أبو ظهر والملاح والشامية».
البداية والتطوير
وعن عمل والده في المهنة يقول: «منذ أواخر السبعينيات عمل والدي وفيق في هذه المصلحة ولا يزال حتى يومنا هذا، لكنه اليوم يركز على صناعة المفروشات، ومن ثم انضم إليه شقيقي حسن، وبعد ذلك شاركت في هذه المصلحة، ومنذ سنوات انضم إلينا عمي سهيل أيضاً».
ويضيف: «تصنع الكراسي من الخشب وحبال القش، وتتخذ أشكالاً وأنواعاً متعددة، فيستخدم قسم للسفرة وآخر يوضع في الحدائق، فضلاً عن كراسي الحمام الصغيرة التي تساعد المرضى وتسهّل الدخول إلى الحمامات العربية القديمة، ولكن كان لا بد من توسيع المصلحة لزيادة الدخل، لذلك أضفنا مصلحة الخراطة والدهان، فضلاً عن صناعة الكراسي الهزازة والطاولات التي تعلو سطحها القش وإدخال الألوان المتعددة في صناعة الكراسي».
ويشير إلى أنه «لم يعد الطلب على هذه المصلحة كالسابق، ولكن يرغب بهذا النوع من الكراسي من لديهم حدائق في منازلهم، لكن صناعة البلاستيك أثّرت على المهنة، ففي السابق كان الجميع يقدم على شراء الكراسي الخشبية وكراسي القش، ولكن البلاستيك أخذ من رزق العاملين في هذا المجال، فلم تعد المطاعم أو المنازل تطلب الكراسي الخشبية على عكس ما كان جارياً في السنوات الماضية، حيث كانت المصلحة مزدهرة».
أسباب مقنعة
عدم قدرة المصلحة على تأمين العيش الكريم لأصحابها، أمر يدعو إلى التساؤل عن الأسباب في الاستمرار بها، وعن ذلك يوضح كوسا «رغم كون المصلحة لا تدر دخلاً كبيراً لكن سبب استمراري في هذه المهنة هو رغبتي بأن أكون حراً لا أن أكون موظفاً بدوام مجبور، وهذا الأمر يريحني كثيراً ويجعلني أبدع في عملي، لذلك قمنا بإضافة الألوان إلى الكراسي، وبات عليها طلباً من قبل العديد من الأسر، وخصوصاً أن منظرها ملفت للأطفال فيفضّلون وضعها في المنازل عن الكراسي البلاستيكية، وهذا الأمر يعطي لنا دخلاً إضافياً كما أن أسعارها أعلى من الكراسي العادية، ونحن تمكّنا من إدخال صناعة الكراسي الهزازة إلى المصلحة، والتي يرغبها بعض الناس أيضاً لكن يبقى الطلب ضعيفاً بسبب الأوضاع الاقتصادية».
ويؤكد «أن أسعار الكراسي في متناول جميع الطبقات والربح لا يتعدى بضع آلاف الليرات اللبنانية في الكرسي الصغير أو الكبير، وتستغرق صناعة كل كرسي صغير ما يقرب من عشرين دقيقة، فيما صناعة الكرسي الكبير تستغرق نصف ساعة».
مشكلة المشاكل
أما المعضلة الكبرى التي يُعاني منها العاملون في المصلحة فهي الكهرباء، وعن ذلك يقول: «يُعد التيار الكهربائي مشكلة المشاكل، فالانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي يحول دون تمكّن أصحاب المصالح من القيام بأعمالهم، فيما الاشتراك بالمولدات الكهربائية يزيد التكلفة، وهو أمر قد لا يتحمّله الكثير من العاملين في الصناعات الحرفية، كما يضطر إلى التوقف عن العمل بسبب انقطاع التيار الكهربائي المتكرر وتقنين أصحاب المولدات أيضاً، من هنا فإن صناعة كراسي القش والسلال لم تعد مهنة تلقى رواجاً كما كان الحال في الماضي، وهي تندرج ضمن التراث، وتوضع خارج المنازل وليس داخله، سواء على الشرفات أو في الحدائق، وذلك دليل على أن مكانتها قلّت ولم تعد تستحق البقاء في المنزل مقارنة بمقتنيات اليوم».
انضمام للمهنة!
تدهور مكانة كراسي القش والخشب، أمر يبدو واضحاً، ولكن إن اختار البعض البقاء في مزاولتها هروباً من الروتين الوظيفي ورغبة في الإبداع والمحافظة على تراث الأجداد، لكن البعض الآخر انخرط في مهنة العائلة، وذلك بسبب تدني الوضع الاقتصادي وغياب فرص العمل، الأمر الذي يضطر الناس للعمل في أكثر من مهنة لتحسين وضعهم.
* وعن ذلك يتحدث سهيل كوسا بالقول: «انضمت إلى المهنة للعمل مع ابن أخي منذ 5 سنوات، وقد التحقت بهذه المصلحة رغم أنها ليست مهنتي، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، وغالبية الناس تعمل في مهنتين أو أكثر والأسباب معروفة ولا تخفى على أحد، فإذا كانت مصلحة الانسان غير مفيدة يستبدلها بغيرها، وإن وجد المهنة الجديدة غير مفيدة يقوم بتغييرها وهكذا دواليك حتى تستقيم الأمور معه إن شاء الله، والحمد لله على كل شيء».
أمل بتغيّر الأحوال، قد لا يتحقق، وربما كان السر في الحفاظ على هذه المهن التراثية، التي لا يتركها أصحابها بسبب احتياج البعض إلى مقتنياتها، كونها تعدّ أرخص من غيرها، أو لعدم المقدرة على تعلم مهن جديدة، فيعود الزمان إلى نقطة البداية، لتتجدد المهن التراثية عاماً بعد آخر.