المياه في القرن الحادي والعشرين اصبح أحد اكثر أسباب الصراع في العالم عموما، وفي العالم العربي خصوصاً، حيث التحديات المائية آخذة في التفاقم وفي التأثير السلبي الخطير في مستقبل العرب؛ فلم يعد صراع المياه قضية اقتصادية او تنموية فحسب، بل اصبح مسألة امنية واستراتيجية، وهناك دلائل قوية على ان التحديات القادمة كبيرة وخطيرة جداً، قد تفوق الامن العسكري من حيث الاهمية. لذا، فالامر لا يحتمل الانتظار حتى تقع الكارثة، وعندها نتنادى للبحث والندب والبكاء على الاطلال.
على خلفية هذا التحدي المصيري الكبير، يتصدى الباحث عليان محمود عليان في «المياه العربية من النيل الى الفرات، التحديات والاخطار المحيطة»، مركز دراسات الوحدة العربية 2014، لمسألة الامن المائي العربي، طارحاً في هذا السياق اسئلة اشكالية لم تجابه بجدية من قبل الانظمة العربية. فهل هناك استراتيجية عربية واضحة في ما يتعلق بالامن القومي المائي العربي؟ هل يمكن التنبؤ بطبيعة العلاقات العربية في ظل الازمة المائية؟ وماذا سيحدث في المستقبل بين مصر والسودان والعراق وسوريا، والاردن وسوريا؟ وهل هناك رؤية واضحة للخيارات المائية التي سوف تفرض نفسها على الصراع العربي ـ الصهيوني؟
تناول المؤلف هذه الاسئلة في ضوء القانون الدولي الذي ينظم استثمارات الأنهار، خاصة الأنهار العابرة للدول، لا سيما ان اغلب الاقطار العربية لا تملك السيطرة الكاملة على منابع مياهها. فاثيوبيا وتركيا وغينيا وايران والسنغال وكينيا واوغندا واريتريا والكونغو تتحكم بحوالي 60 في المئة من منابع الموارد المائية للعالم العربي. ويدور الحديث الآن حول ارتباط السلام في الشرق الاوسط بالمياه، بعد اغتصاب الكيان الصهيوني معظم نصيب دول الطوق العربي من المياه. عليه، يمكن القول ان موضوع المياه مرشح لاشعال الحروب في منطقة الشرق الاوسط وفقاً لتحليل دوائر سياسية عالمية.
توصل معهد القانون الدولي العام 1991 الى قواعد عامة بشأن مياه الانهار الدولية تراعي العدالة في توزيع المياه بين الدول المشتركة في الانهار تبعاً لطبيعة النهر وحجم المنطقة التي يمر فيها في كل دولة، وتاريخ استغلال مياهه، وحجم السكان المستفيدين منها. واعتبرت لجنة الامم المتحدة للحقوق الاجتماعية والاقتصادية العام 2002 ان الحق في المياه يتضمن حماية الشروط الضرورية لحياة المدنيين، بما فيه المنشآت المائية والامدادات والري وحماية البيئة الطبيعية من الاضرار. وقد ادركت البلدان العربية المخاطر التي تواجه مياهها، لذا يلجأ اكثرها الى المؤسسات الدولية القانونية.
بالبحث في المشكلات المائية بين سوريا والعراق من جهة، وتركيا وايران من جهة، رأى المؤلف ان تركيا تسعى الى تغيير خطير في الجغرافيا السياسية في المنطقة بحيث يصبح بامكانها التحكم بمياه الفرات وفرض تنازلات سياسية وقومية على سوريا والعراق، ليس اقلها إقرار سوريا بالتنازل عن لواء الاسكندرون. لقد وقَّع العراق وسوريا مع تركيا كثيراً من الاتفاقيات عبر مراحل زمنية وفقاً للمعاهدات الدولية، لكن تركيا لم تلتزم بما اتفق عليه، بدءاً من اتفاقية العام 1923 مروراً بمعاهدة الصداقة بين البلدين العام 1946 وبروتوكول التعاون العام 1971 واتفاق العام 1990. وفيما يتعلق بايران والعراق، تؤدي السياسة التوسعية دوراً خطيراً في صيغة الاتفاقيات، خصوصاً في مسألة شط العرب. فعلى الرغم من استجابة العراق للكثير من المطالب الايرانية، ما زالت ايران مستمرة في السياسات المائية عينها، من خلال تحويل مسارات الانهار والروافد التي تنبع من اراضيها وتصب في شط العرب والاراضي العراقية.
وتطرق المؤلف للمشكلات المائية على حوض النيل بشكل عام، وبين اثيوبيا ومصر بشكل خاص. فالنيل يمر في عشر دول، وتعد مصر اكثر الدول حاجة الى مياهه، لموقعها الصحراوي وقلة امطارها، ما دفع جمال عبد الناصر الى بناء السد العالي لتأمين حاجاتها من الطاقة ومياه الشرب. الا ان بدء اثيوبيا في اقامة سد النهضة يدق ناقوس الخطر نظراً لتداعيات انشائه على الامن القومي لمصر والسودان.
وللكيان الصهيوني دور مركزي في التحديات المائية العربية، فقد عمد الى السيطرة على الموارد المائية الفلسطينية وعمل على سرقة المياه من الجوار العربي، فسيطر على 900 مليون متر مكعب من مياه حوض الاردن واقام 500 بئر ارتوازية غرب حدود 1967.
ويبقى الامن المائي لبلدان الخليج العربي الاشد خطورة لوقوعها في منطقة صحراوية فقيرة مائياً وخالية من الانهار، وتعتمد على مياه الامطار والمياه الجوفية غير المتجددة وتحلية اكثر من 85 مليار متر مكعب من مياه البحر.
في هذا السياق، لا يمكن إغفال مطامع الدول المجاورة في شط العرب ودوره في الصراعات المائية بين بلدان الخليج العربي وايران، فضلاً عن انه ممر ملاحي استراتيجي لهذه البلدان الى دول العالم.
انتهى المؤلف الى خلاصات واستنتاجات اساسية:
أ – لم يعد مقبولاً ان تتحكم دولة او مجموعة اقليمية بموارد مائية لأن ذلك سيؤدي حتماً الى صراعات ديبلوماسية قد تتحول في كثير من الاحيان صراعات مسلحة، إذ إن موارد المياه العذبة في العالم تتسم بكونها مشتركة بين بلدان متعددة، فـ75 في المئة من اجمالي مساحة 50 بلداً يقع داخل احواض الانهار الدولية في حين يعيش حوالي 40 في المئة من سكان العالم في تلك الاحواض.
ب – تعود ازمة المياه في العالم العربي الى ارتفاع عدد السكان من دون مواكبة لتطور مصادر المياه.
ج – اساءة التصرف بموارد المياه المتاحة في مختلف المجالات، خصوصاً الزراعية منها.
د – ازدياد تلوث المياه بسبب السياسات الزراعية والصناعية ومياه الصرف الصحي.
هـ – الاطماع الدولية والصهيونية في المياه العربية
نرى ختاماً ان الكتاب يشكل اسهاماً جدياً في الاضاءة على احد التحديات الكبرى التي تتهدد العالم العربي في هذا القرن، حيث الامن المائي ركن اساسي في الامن الاستراتيجي العربي، وقد عرض المؤلف للمشكلات المائية العربية من وجوهها كافة منبهاً الى مخاطرها المستقبلية، الا اننا في المقابل، نرى ان الكتاب يعاني من هِناتٍ غير هَيِّنات من حيث اضطراب المنهج وارتباك اللغة، وكان الاجدر بالمؤلف ان يحدد بالارقام أحجام الاراضي المروية وحاجة العرب المتزايدة الى الغذاء في العقود المقبلة وحجمها وانعكاس ذلك على الامن القومي العربي، والامكانيات المتاحة لدرء المخاطر المتوقعة على الامة العربية.