IMLebanon

عين منتجي البترول على «الأميركي» وقلب واشنطن على «الحجر»

AmericanOil2
حيدر الحسيني
لم تنفجر «فقاعة» النفط الصخري إلا قبل عامين أو ثلاثة، وشاع الحديث عنها حتى أمست توحي بأنها تشكل تهديداً حقيقياً لمصالح منتجي النفط التقليدي السائل. ويذهب الكثيرون إلى اعتبار المُنتَج «الجديد» سبباً قوياً عند تحليلهم لتدهور سعر البرميل سريعاً باتجاه اقل من 60 دولاراً للخام الأميركي و63 دولاراً للأوروبي.

لكن إذا ما عُلِمَ أن اكتشاف النفط الصخري في الغرب يعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي، أي أنه ليس ثورة جديدة كما يُوحَى، لعل من البديهي الاعتقاد بأن الولايات المتحدة (ودول اُخرى)، بعدما اشتدّت أزمتها المالية الخانقة منذ العام 2008، عادت أدراجها لتبحث في أرض الأجداد عن ثروة مفقودة أو مجهولة، أو عن احتياط هائل «مكتوم« قصداً، بما يغيثها من نكبتها الاقتصادية.

الأقرب إلى المنطق مسألة الاحتياط «المكتوم»، وإلا فكيف يمكن تفسير «النوم الأميركي الطويل» عن استثمار «سلاح» صناعي تنموي أساسي معلوم وجوده بوفرة منذ مئات السنين، وانصرافها لاستهلاك نفطها السائل التقليدي ونفوط الأُمم الاُخرى على مدى عقود؟ قد تكون الجدوى الاقتصادية عاملاً موضوعياً إذا أحسن المتابعُ الظنّ بالاستراتيجيات الأميركية البعيدة المدى.

المفارقة أن «الإرباك» هو سيّد الموقف داخل منظمة الدول المصدّرة للنفط «أوبك»، التي يدفع معظم أعضائها، كما المنتجين من خارجها، ثمناً باهظاً ومُكلفاً جداً، بسبب انخفاض سعر النفط.

تعدّدت الأسماء

و«الصخري» واحد

«النفط الصخري» و»الغاز الصخري» من أكثر المصطلحات المتداولة شيوعاً في زمن «الطفرة» المستجدة على ساحة الطاقة العالمية.

لكن ثمة مسمّيات عديدة تشير إلى المقصد عينه، ومن أبرزها على الإطلاق «النفط المحكم» و»الصخر الزيتي« و»السجّيل الزيتي« و»السجّيل النفطي» و«صخور القار« و«الطفلة الزيتية« و»غاز الأردواز« و»غاز الشيست«.

ببساطة، يُفهَم من التعريفات المُتاحة لهذه الثروة المكتنزة في باطن الأرض، أنها عبارة عن مادة حجرية مؤلفة من مواد عضوية حيوانية ونباتية تُسمّى «الكيروجين»، تدخل في تركيبتها مكوِّنات رئيسية من تركيبة النفط، لكن تحوّلها إلى نفط عادي لم يكتمل على مرّ الزمن بسبب عدم تعرّضها للحرارة المطلوبة لفترة كافية.

تقنية التكسير الهايدروليكي الممهدة لاستخراج النفط والغاز الصخريين ليست جديدة، بل انطلقت في العصر الحديث منذ عام 1947، مروراً بمحاولة مواءمة هذه التقنية مع الصخر الزيتي الكثيف في ولاية تكساس مطلع ثمانينات القرن الماضي. لكن التوصل إلى إتقان النموذج الحالي لتكسير الصخر الزيتي (تلازماً مع الحفر الأفقي) لم يكن مُتاحاً قبل أواخر التسعينات، إلى أن بدأ إنتاجه يفرض نفسه على نحو لافت عام 2008، مباشرةً عقب اندلاع الأزمة المالية العالمية الراهنة، ليشكل الغاز الصخري اليوم 44 في المئة من مجموع إنتاج الغاز الطبيعي الأميركي.

اكتشاف تاريخي.. طفرة جديدة!

النفط الصخري كان واحداً من أقدم مصادر الزيوت المعدنية التي استخدمها الإنسان، فيما يرقى أول استعمال «مُدوَّن« لدى الغرب إلى مطلع القرن الرابع عشر الميلادي في سويسرا والنمسا، حيث كان يُستخدم لإنارة الشوارع، قبل أن يسجّل التاج البريطاني عام 1694 أول براءة اختراع لـ3 أشخاص اكتشفوا طريقة لاستخراج وتصنيع كميات زفت وقطران وزيت كبيرة، من الصخور الصغيرة.

خلال القرن الـ19، بُنيت في أستراليا والبرازيل والولايات المتحدة، معامل لاستخراج النفط الصخري، بينما بدأ إنتاجه مع بداية القرن العشرين في الصين وإستونيا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا وإسبانيا والسويد وسويسرا.

لكن اكتشاف النفط الخام في الشرق الأوسط منتصف القرن العشرين أودى بتلك الجهود إلى حائط مسدود، مع أن إستونيا وشمال شرق الصين أبقتا على قطاع الاستخراج حتى مطلع القرن الواحد والعشرين، قبل أن يعود نجم «الصخري» في السنوات القليلة الماضية إلى تصدّر مسرح الطاقة نتيجة ارتفاع سعر برميل الخام السائل إلى نحو 140 دولاراً، فاستؤنفت عمليات الاستخراج، أو انطلقت محاولات جديدة، على نطاق أوسع في الولايات المتحدة والصين وأستراليا والأردن.

دوافع سياسية لنزعة استقلالية

ما من شك في أن دوافع سياسية تُسوِّغ جزئياً – سعي الولايات المتحدة، وغيرها، إلى استثمار مصادر الطاقة البديلة، وفي طليعتها استهداف الاكتفاء الذاتي لتعزيز استقلاليتها السياسية والسيادية عن الدول المُصدّرة إليها، أو، إذا أمكن، التحوّل من مستورد للطاقة إلى منتج ومُصدّر لها، وهو ما يُفترَض أن يسهم في تعزيز نفوذها بشكل أو بآخر على الساحة الدولية، نظراً لأهمية الدور الذي تلعبه الروابط الاقتصادية في العلاقات الدبلوماسية، إذا ما أحسنت الدول المعنية استخدام ثرواتها في هذا الاتجاه.

الرئيس الأميركي باراك أوباما تحدث عن هذا الهدف صراحةً، حين قال في مقابلة مع مجلة «التايم» إن بلده تستطيع تطوير إمدادات الغاز الطبيعي لـ100 سنة مقبلة.. وجهودنا حيال النفط والغاز الطبيعي ستمنحنا حرية أكبر في التحدث مع الشرق الأوسط.. والعالم الذي نود أن نراه». كما قال سنة 2012، في مناسبة اُخرى، إن الولايات المتحدة ستتقدّم، بفضل النفط الصخري، على المملكة العربية السعودية كأكبر منتج نفط على مستوى العالم بحلول سنة 2017.

مقابل هذا الوضوح الأميركي، ثمة «ضياع» وتناقض بين المنتجين التقليديين، لا سيما داخل منظمة «أوبك»، التي أعربت عقب تصريحات أوباما عن قلقها من تزايد إنتاج النفط الصخري، باعتباره مصدر تهديد لمستقبل الطلب على النفط الخام، ثم ما لبث أن رحّب بعض المصدّرين لاحقاً لدوره المحتمل في تلبية الطلب العالمي المتزايد واستقرار السوق، عندما كان سعر البرميل يتجاوز 100 دولار، قبل أن يساورها القلق مجدداً مع خسارة البرميل 40 في المئة وملامسته الـ60 دولاراً خلال بضعة أشهر فقط.

كفّة الاستثمار لصالح «التقليدي»

مع ذلك، فإن الأبعاد الاستثمارية لقطاع «الصخري» تبقى عاملاً أساسياً من شأنه أن يحسم آفاق تقدّمه أو تقهقره خلال السنوات المقبلة، في زمن النكسات الاقتصادية والمالية والركود الحاد الذي تدفع ثمنه أساساً البلدان الصناعية المُعتمدة في حركة إنتاج سلعها على دينامية النشاط الاستهلاكي، الذي بات الإقبال عليه محدوداً بسبب الضائقة الحالية وظروف التشغيل الصعبة.

فإذا كان هبوط سعر النفط يهدد موازنات الدول المنتجة حالياً، فإنه يهدد – بدرجة لا تقل أهميةً – المستثمرين في النفط الصخري وبالتالي مصالح الدول المتعاقدة معهم على التنقيب والاستخراج والتسويق. ذلك أن بعض المنتجين، لا سيما في الخليج، يتمتعون بفوائض مالية كبيرة تجعلهم أكثر قدرة على تحمّل تراجع الأسعار لفترة ليست بقصيرة، مع لحظ التأثير السلبي على مستويات التنمية ومشاريع الاستثمار والتأمينات الاجتماعية، في حين أن الشركات أقل قدرة على ذلك تقودها الجدوى الاستثمارية ولهثها الدؤوب نحو تحقيق الأرباح، التي ما لم تحصل عليها لن يكون مصيرها إلا الانسحاب من مشاريع «الصخري» حتى لو دفعت بنوداً جزائية.

الأهم من مسألة الاحتياطات المالية الوافرة، أن ثمة فرقاً كبيراً لصالح المنتجين التقليديين في تكاليف الاستخراج. فالدراسات المُتاحة على تباينها – تشير إلى تكلفة إجمالية تراوح بين 4 دولارات أدناها و21 دولاراً أقصاها لاستخراج برميل واحد من الخام السائل في الأراضي السعودية، مثلاً، وصولاً إلى 30 دولاراً من المياه النيجيرية العميقة، في حين أن تكلفة استخراج برميل «الصخري» لا تقل عن 80 دولاراً وقد تصل إلى 95 دولاراً في بعض الحقول، تبعاً للعُمق ومدى صعوبة العملية.

خلاصة القول، إن كفة الاستثمار تميل لصالح الخام السائل على حساب منتجات «الصخري»، وهو ما قد يكفل عودة السوق إلى استقرارها بعد مدة، كما تؤكد السعودية على لسان وزير النفط علي النعيمي، وكذلك بعض الدول المنتجة الاُخرى، خاصةً في دول مجلس التعاون. لكن ذلك لا يمنع من أن تسارع هبوط سعر النفط في الأسواق العالمية قد جعل أعين المنتجين التقليديين القلقة شاخصة باتجاه النفط الصخري في الولايات المتحدة، التي أصبح قلبها الآن «على الحجر»، ولا تبدو خاسرةً في المدى المنظور.