دانيال الضاهر
تواجه ثروة النفط والغاز في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، نزاعاً على ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدول المطلّة على مياهه، وهي لبنان ومصر وقبرص وتركيا وسورية وإسرائيل. ويُضاف هذا النزاع إلى عوامل أخرى تؤخّر استخراج هذه الثروة، تتمثل بالأزمات السياسية والأمنية في بعض الدول وتراجع هذا القطاع في سلّم الأولويات إلى درجات أدنى. والمستفيد الوحيد من كل هذه الظروف هي إسرائيل التي بدأت فعلياً الاستفادة من هذه الثروة، مع استغلالها مساحات قضمتها من حقوق دول أخرى.
وكانت هذه القضايا وحلولها محور ندوة بعنوان «الغاز في شرق المتوسط: التحديات والإمكانات» نظمتها «مؤسسة الدراسات الفلسطينية»، التي افتتح أعمالها رئيس مجلس الأمناء في المؤسسة طارق متري.
ثم تحدث الخبير في شؤون النفط وليد خدوري عن «الاكتشاف البترولي في إسرائيل ومجالات تصدير الغاز»، لافتاً إلى «اكتشاف سبعة حقول في مياه عميقة خلال عامي 2009 – 2013، وكان الاكتشاف الأخير حقل كاريش وهو يبعد نحو 10 أميال بحرية فقط عن مياه المنطقة اللبنانية الخالصة والأقرب إلى الحدود المائية اللبنانية». ويُعدّ حقل ليفايثان «الأهم»، ويُتوقع بدء الإنتاج منه عام 2017، فيما يُقدّر الاحتياط فيه «بنحو 20 تريليون قدم مكعبة». واعتبر أن «الاحتياطات المكتشفة حتى الآن ضيئلة نسبياً وهي تساوي 40 تريليون قدم مكعبة، مقارنة بدول مثل إيران التي تملك 1187 تريليون قدم مكعبة أو قطر 885 تريليوناً».
أما النفط الخام، فلفت خدوري إلى «عدم اكتشاف كميات تجارية منه حتى الآن في مياه شرق المتوسط، ان في فلسطين أو إسرائيل أو قبرص»، متوقعاً أن «تكون الاحتياطات ضئيلة نسبياً قياساً إلى معدلات الاستهلاك الحالية والمستقبلية في دول المنطقة». ولم يغفل أن إسرائيل «تؤسس شركات لإنتاج النفط الصخري».
وتطرّق خدوري أيضاً إلى «الأبعاد الجيوسياسية لغاز شرق المتوسط»، مشيراً إلى أن الاحتياط في هذه المنطقة «يمثل نسبة ضئيلة من الاحتياطات العالمية إذ تتعدى نسبتها واحداً في المئة». ورأى أن «سياسة الحصار الإسرائيلية لقطاع غزة هي محاولة مباشرة لمنع تطوير حقل غزة مارين».
وعن لبنان، شدد على أن العائق الوحيد أمام بدء الاستكشاف والتنقيب في مياهه، يتمثل بـ «صراع المصالح بين السياسيين»، وذلك على رغم «التحديات التي يواجهها لبنان في رسم حدود المناطق الاقتصادية الخالصة جنوباً (إسرائيل) وشمالاً (سورية) وشرقاً (قبرص)».
وفي الجلسة الثانية، تحدث خبير البترول الدولي ابراهيم زهران عن «تحول مصر من دولة مصدرة إلى دولة مستوردة للغاز»، عارضاً تاريخ الاكتشافات. لكن رأى أن «تقديرات الكميات التي تملكها مصر كانت «مبالغة». وأعلن أن «مصر تملك نحو واحد في المئة من الاحتياط العالمي، وهو مرجّح وغير مؤكد».
وعن النفط والغاز في سورية، رأى المدير التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة «جي بي بي نفتغاز» الروسية سامر خلف، أن على أي حكومة سورية مستقبلاً بعد استتباب الوضع فيها أن «تطرح مناقصة شفافة للبلوكات البحرية معتمدة المعايير الدولية». واعتبر أن «المفاوضات المباشرة ومنح الامتيازات خلال الاضطرابات الأهلية والسياسية ليست ممكنة تجارياً أو قانونياً للدولة وللشركات المعنية». وقال «من الأمور التي يجب أن تشجع سورية على ترسيم حدودها البحرية مع لبنان، هي البيانات الجيولوجية الأولية، التي تشير إلى أن البلوك واحد الذي يحاذي لبنان والبلوكين 2 و3 تملك الاحتمالات الأعلى من بين البلوكات المعروضة».
وركّز مستشار لجنة الطاقة في البرلمان اللبناني ربيع ياغي على ثروة الغاز في المياه اللبنانية والمعوقات التي تؤخر بدء التنقيب، وقال إن «الحدود العائدة لنا لم تُحدد ولم تُرسم في شكل مبرم ونهائي مع قبرص وإسرائيل وسورية، ثنائياً كان أم ثلاثياً». واقترح «إعادة التفاوض مع قبرص على إحداثيات اتفاق عام 2007 لخط الوصل الفاصل بين المنطقتين الاقتصاديتين الخالصتين للبلدين خصوصاً نقطتي البداية واحد والنهاية 6 لهذا الخط، كونها نقاطاً غير نهائية واستبدالها بـ «tripoints وهي 23 جنوباً و7 شمالاً». وأكد أن قبرص «انتهكت الاتفاق مع لبنان عندما استبعدته من التشاور قبل توقيعها الاتفاق الثنائي مع إسرائيل عام 2010، والتي قضمت بموجبه مساحة 862 كيلومتراً مربعاً من المنطقة العائدة لنا».
وتحدّث رئيس وحدة الشؤون الاقتصادية والمالية في هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان وسام الذهبي، عن إنجازات الهيئة تحضيراً لدورة التراخيص وبدء التنقيب، نافياً معرفته بأسباب تأخر صدور «مرسومي الاستكشاف والإنتاج والبلوكات، الذي أفضى إلى تأجيل دورة التراخيص خمس مرات». وحذّر من أن هذا التأجيل «أفقد الشركات الحماسة التي اتسمت بها» لدى إعلان المناقصة.
وتطرّق محرر قسم شؤون الخليج في نشرة «ميس» ديفيد فريدمان إلى البترول في قبرص والخلاف القبرصي – التركي، فرأى أن «العوامل الجيوسياسية تجبر الشركات العاملة في المياه القبرصية على اعتماد تقنية الغاز الطبيعي المسال العائم، كوسيلة لإيصال الإنتاج المتوقع للغاز إلى الأسواق». لكن أوضح أن «استمرار أسعار النفط عند مستويات متدنية، ربما يؤخر تطوير الموارد القبرصية، ويترك الكميات المكتشفة من النفط والغاز عرضة لضغوط السوق».
وأعلن الخبير الاقتصادي مروان اسكندر، أن الاهتمام بالغاز الطبيعي «زاد خلال السنوات الـ 15 الماضية بسبب المخاوف البيئية التي دفعت في اتجاه تأمين موارد نظيفة لإنتاج الطاقة».
وفي ضوء التوسع في استخدام الغاز والزيادة في إنتاج النفط من مصادر مختلفة، واتجاه البرازيل إلى بدء إنتاج النفط في السنوات الثماني المقبلة، اعتبر أن ذلك «يعني احتمال انخفاض أسعار النفط في المستقبل ما ينعكس سلباً على دول الخليج المنتجة». لذا رأى ضرورة أن «تتخذ خطوات منها «المشاركة في مشاريع إنتاج الطاقة من الرياح والشمس أو استخراج المشتقات من المواد الزراعية، وتوسيع استثمارات الصناديق السيادية إلى خارج الدول العربية وصولاً إلى أسواق الدول النامية مثل الهند والبرازيل والصين وتايوان».