دعا صندوق النقد الدولي لبنان إلى «عمل سياسي فوري متماسك وغير حزبي، لضمان مستقبل البلد الاقتصادي«، محذراً من أن التريث بانتظار ظروف خارجية وداخلية ملائمة أكثر لا يشكل استراتيجية قابلة للحياة، حيث أن «تكاليف التقاعس عن العمل تتصاعد«، مؤكداً استعداده لدعم أجندة الإصلاح الاقتصادي للسلطات وجهودها الآيلة لاستعادة الانضباط المالي وإطلاق العنان لإمكانات النمو.
مواقف الصندوق عبّر عنها في بيان رسمي مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، مسعود أحمد، الذي زار لبنان بين 8 و9 من الشهر الجاري، وعقد اجتماعات مع السلطات الرسمية وغيرها من أصحاب المصلحة، وذلك في ختام بعثة الصندوق التقنية، التي كانت بدأت في 3 من الجاري، لتقويم التطورات الاقتصادية والمالية في لبنان، وتقويم التوقعات، ومناقشة سياسات الإصلاح وخططه الممكنة.
وأوضح البيان أن أحمد التقى رئيس الوزراء تمام سلام، وزير المالية علي حسن الخليل، حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، وأعضاء من مجلس النواب، إضافة إلى ممثلين عن القطاع الخاص والمجتمع المدني والهيئات الدولية.
ونقل البيان عن أحمد قوله «في لقاءاتي مع السلطات اللبنانية، تبادلنا وجهات النظر حول الآفاق الاقتصادية اللبنانية والإقليمية، مع إيلاء اهتمام خاص بالتأثير المحتمل لانخفاض أسعار النفط. وعلى نحو أكثر تحديداً، ركزت المناقشات على سبل تحسين آفاق النمو على المديين القصير والمتوسط، نظراً للتأثير الكبير والطويل الأمد للأزمة السورية، وكيفية تنفيذ أجندة الإصلاح قابلة للتطبيق«
وحذر من أن «الظروف والتوقعات الاقتصادية في لبنان لا تزال صعبة للغاية. وتستمر الآثار غير المباشرة للأوضاع الإقليمية بالهيمنة على توقعات المدى القصير وتقويض ثقة المستثمرين بالنسبة إلى لبنان«.
أضاف «كما أن تدفق عدد كبير من اللاجئين السوريين حتى باتوا يعادلون الآن أكثر من ربع السكان، أصبح مجهداً للمجتمعات المحلية في لبنان، ويشدد خناقه على التمويلات العامة الضعيفة أصلاً. وقد قدّم الدعم الدولي يد العون، لكنه لا يزال غير كاف قياساً بحجم المشكلة، وزيادة المساعدة لاستضافة المجتمعات مرحب بها، لكن الاحتياجات كبيرة. وبالإضافة إلى هذه التحديات، فإن المأزق السياسي المستمر يقوّض الجهود الآيلة لتمرير القوانين«.
وعلى ضوء هذه المعطيات، قال البيان إن التقديرات تشير إلى أن النمو الحقيقي سيبقى دون 2 في المئة عام 2014، وهو معدل غير كاف ليكون له تأثير مادي على ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الفقر في لبنان.
في الناحية الإيجابية، أورد البيان أن «الوضع المالي تحسن مقارنة بالتوقعات السابقة. ومن المتوقع الآن تحقيق فائض أولي صغير عام 2014 إلى حد كبير بفضل تحويلات أعلى من المتوقع من وزارة الاتصالات، وخفض الإنفاق الرأسمالي، وتعطيل تنفيذ تسوية سلسلة رواتب للقطاع العام. في حين أن هذه التطورات ستقود إلى ما تشتد الحاجة إليه من تحسن مالي وتدابير دائمة لوضع المالية العامة على الطريق الصحيح. على أساس التوقعات الحالية، من المتوقع أن يتواصل ارتفاع الدين العام وأن يتجاوز 140 في المئة من الناتج المحلي المجمل بحلول نهاية العام الجاري«.
نظام مصرفي صلب.. ومنكشف
في جانب آخر، قال أحمد «إن النظام المصرفي صلب. وبما يعكسه من استمرار لتدفق الودائع السليمة، بلغ مستوى احتياطي العملات الأجنبية المجملة 39 مليار دولار نهاية تشرين الثاني الماضي. وفي الوقت نفسه، ازداد انكشاف القطاع المصرفي على الحكومة ومصرف لبنان. ومن شأن ضبط مستدام لأوضاع المالية العامة أن يكون مفتاحاً لتقليل اعتماد الحكومة على تمويل مصرف لبنان، بما في ذلك الصرف الأجنبي. وفي حين أن مصرف لبنان قد يسعى، في خطوة استباقية، للحفاظ على الاستقرار المالي وتحفيز الاقتصاد من خلال خطط الإعانة، تواصل عملياته ضغطها على ميزانيته العامة«.
واستطرد يقول «إن صلابة لبنان ودهاءه معروفان جيداً. ومع ذلك، ثمة حاجة إلى بذل جهود عاجلة وهادفة لبدء إحداث تحوّل اقتصادي بطريقة مستدامة. إذ ان تمرير الموزانة العامة لسنة 2015، وهي الأولى منذ 10 أعوام، مع تدابير تكيّف مالي موثوقة، من شأنه أن يرسل إشارة قوية إلى الالتزام بتخفيض الدين العام، وأن يستحدث مساحة للبرامج الاجتماعية اللازمة والاستثمار في البنية التحتية. في هذا الصدد، أشرت في مناقشاتي إلى أن انخفاض أسعار النفط يتيح فرصة فريدة لإلغاء الإعفاءات على الضرائب والرسوم المفروضة على البنزين«.
وانتهى إلى القول «كما من شأن إصلاحات قطاع الطاقة واستثمارات كبيرة فيه أن تكون حاسمة لمعالجة مسألة تأمين الكهرباء على نحو غير كفوء ولا فعّال في لبنان. وهي تحد أيضاً بشكل كبير من تكلفة مزاولة الأعمال التجارية وتزيد النمو المحتمل. وعلى نحو مماثل، فإن تمرير طال انتظاره للمراسيم والتشريعات الخاصة بقطاع الغاز، من شأنه أن يُعبّد الطريق أمام استغلال موارد الغاز المحتملة، وأن يرسّخ سمعة لبنان كشريك استثماري موثوق به«.