أنطوان فرح
ماذا لو نجحت المفاوضات النووية بين الغرب وايران، وتمّ عقد اتفاق لتطبيع العلاقات بعد رفع العقوبات؟ سؤال بدأ يجري التداول به في الاوساط الاقتصادية اللبنانية، على خلفية ما تلاحظه هذه الاوساط من استعدادات تقوم بها قطاعات اقتصادية في الغرب، استعدادا للعودة بقوة الى السوق الايرانية. فهل بدأت القطاعات اللبنانية التخطيط للعودة الى ايران في المستقبل القريب؟
في انتظار العودة الى حقبة القوة المالية
في جلسة خاصة كان أحد المصرفيين المخضرمين يتحدث عن الآفاق المتاحة امام المصارف اللبنانية الراغبة في التوسّع خارج السوق المحلية التي أصبحت ضيقة للغاية. وفي خلاصة التحليل الذي قدمه، استنتج بأن السوق الافريقية هي واحدة من الخيارات الأفضل في الوقت الراهن.
وهنا سأله احد الحاضرين: هل فكرتم في السوق الايرانية في حال تم الوصول الى اتفاق بين طهران والغرب، ورُفعت العقوبات، وفُتحت هذه السوق امام الاستثمارات الخارجية؟
جاء جواب المصرفي جازماً: السوق الايرانية كبيرة ومهمة جداً. في حال رفع العقوبات الدولية من الطبيعي ان تشكل هدفا رئيسيا للمصارف اللبنانية التي تبحث عن سبل التوسّع المجدي.
ثم علينا ألا ننسى اننا كمصارف لدينا دعوة رسمية مفتوحة وجهتها الينا الجمهورية الاسلامية على لسان سفيرها السابق غضنفر ركن أبادي الذي زار مقر جمعية المصارف ودعانا الى التوسّع باتجاه ايران. نحن لم نرفض الدعوة، بل وافقنا عليها مع وقف التنفيذ، بانتظار ان يصبح الذهاب الى السوق الايرانية مسموحا دولياً.
في الواقع، لا يبدو ان التطرّق الى ملف السوق الايرانية يأتي خارج سياق المنطق، بل العكس قد يكون صحيحاً، لأن ما يمكن ملاحظته على مستوى التعاطي الغربي مع هذه القضية، يوحي، اذا لم يكن يؤكد، ان الامور متجهة الى اتفاق شامل سيؤدي الى فتح السوق الايرانية ذات القدرات المالية الهائلة، والقدرة الاستيعابية الكبيرة.
واذا كانت مؤشرات التعاون الغربي السياسي تشير الى ارتفاع منسوب التنسيق مع ايران لمعالجة أزمات المنطقة، بما فيها الأزمة الرئاسية في لبنان، وما يتصل بها من ملفات رديفة، فان الاشارات الاقتصادية، تدل بوضوح على تسابّق غربي لولوج السوق الايرانية في اسرع وقت ممكن.
وقد ذهب البعض الى الاعتقاد بأن تمديد مهلة المفاوضات والتي كان يُفترض ان تنتهي في 24 تشرين الثاني، كان متعمداً من قبل الاميركيين، الذين لاحظوا ان الشركات الاميركية لم تنجز استعداداتها للانقضاض على هذه السوق، فقرروا التأجيل لتأمين جهوزية اميركية للحصول على حصة الاسد في هذه السوق. ولا يستبعد آخرون ان تكون المفاوضات السرية التي تواكب المفاوضات العلنية، تركز حاليا على الحصة الاميركية الاقتصادية في السوق الايرانية.
تكتسب ايران أهميتها الاقتصادية من ثروة النفط، ومن حجم السوق، (77 مليون نسمة)، ومن كونها كانت محاصرة اقتصادياً، وتحتاج، في حال تطبيع العلاقات معها، الى ورشة تأهيل ضخمة، تستطيع المساهمة فيها الشركات الأجنبية.
في العام 1970، كانت ايران من اهم منتجي النفط في العالم، وكانت تلعب داخل اوبك الدور الذي تقوم به المملكة العربية السعودية حاليا. وقد وصل انتاجها الى حوالي 6 ملايين برميل يوميا، الامر الذي دفع مجلة «تايم» الاميركية الى اطلاق لقب «امبراطور النفط» على شاه ايران السابق.
اليوم تراجع الانتاج الايراني الى حوالي 3.5 مليون برميل يوميا، تستخدم ايران نصفه تقريبا في الاستهلاك المحلي، بما يعني ان حجم المداخيل النفطية متواضع، خصوصا انها تضطر الى تصدير النفط الخام، بسبب عدم قدرتها على بناء مصافٍ للتكرير، نظرا الى العقوبات والضيقة المالية التي تواجهها.
لكن هذا الواقع يستطيع ان يتغير بسرعة قياسية في حال رفع العقوبات، خصوصا ان ايران تمتلك، وفق التقديرات، رابع احتياطي عالمي من النفط الخام. في حال الانفتاح، تحتاج هذه الدولة الى استثمارات ضخمة في القطاع النفطي، كما تحتاج الى التقنية الغربية المحرومة منها منذ سنوات بحكم المقاطعة والعقوبات.
الى ذلك، يشكل السوق الايراني نقطة جذب استهلاكية مهمة، خصوصا ان القدرات الشرائية للشعب الايراني قد ترتفع بشكل مُرضٍ بعد رفع العقوبات، وبدء تدفق الاستثمارات، بما يجعل هذه السوق موضع تنافّس غربي، اتضحت معالمه منذ اليوم من خلال الاتصالات التي تتم على مستوى الشركات، وفي طليعتها شركات انتاج السيارات التي تفاوض حاليا للعودة الى ايران فور اعلان الاتفاق النووي.
ضمن هذه المعطيات، ينبغي ان يتحرّك القطاع الخاص اللبناني استعدادا للمرحلة المقبلة التي قد لا تكون بعيدة. ويمتلك هذا القطاع افضلية الجغرافيا، وافضلية العلاقات. وتستطيع المصارف اللبنانية تحديدا ان تحقق نتائج سريعة في هذه السوق، خصوصا ان السلطات الايرانية قد تكون جاهزة لتسهيل مهمة اللبنانيين قبل سواهم. كما تستطيع المصارف مواكبة حركة بقية القطاعات اللبنانية التي قد تتحرك في اتجاه السوق الايرانية.
بالاضافة الى ذلك، يمتلك اللبنانيون القدرة على التحول الى منصة اقليمية للتواصل الايراني التجاري مع دول المنطقة العربية، وأن يقتطعوا حصة من الدور الذي تلعبه دبي في هذا المجال في الوقت الراهن.
بالانتظار، لا يُفترض ان تبقى الحكومة اللبنانية في موقع المتفرّج، وقد يكون الوقت مناسباً، لبدء التحرّك المضبوط بسقف الحفاظ على حُسن العلاقات مع دول الجوار، وفي مقدمها دول الخليج العربي، للتمهيد لمرحلة اقتصادية جديدة عنوانها العودة الى السوق الايرانية.