IMLebanon

معالجة الركود في الدول المتقدمة: الحالة اليابانية

JapanEcon
ذكاء مخلص الخالدي
دخلت اليابان في ثاني ركود اقتصادي خلال سنتين، بعدما أعلنت الحكومة أن إجمالي ناتجها المحلي انخفض 1.6 في المئة بين تموز (يوليو) وأيلول (سبتمبر) الماضيين، وهو الانخفاض الفصلي الثاني على التوالي 7 في المئة في الفصل السابق). ويرى بعض المراقبين أن شرارة الركود أطلقتها السياسة المالية للحكومة عندما رفعت في نيسان (أبريل) الماضي ضريبة المبيعات من 5 إلى 8 في المئة، ما تسبب بانخفاض طلب المستهلكين واستثمارات قطاع الأعمال. وحصل هذا الانخفاض في القوة الشرائية في وقت تسببت سياسة الحوافز النقدية التي ينتهجها البنك المركزي الياباني لتنشيط الاقتصاد وزيادة الصادرات في انخفاض قيمة الين تجاه اليورو والدولار إلى مستويات لم تشهدها السنوات الأخيرة. وبسبب الركود الذي خلفته زيادة ضريبة المبيعات في نيسان الماضي، أوقف رئيس الوزراء الياباني المرحلة الثانية من الزيادة أي رفعها من 8 إلى 10 في المئة والتي كان مخططاً لها أن تحصل في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ودعا إلى انتخابات نيابية كما طالب وزراءه المعنيين بإعداد حزمة من الإجراءات لتنشيط الاقتصاد وإخراجه من ركوده.
لم يبدُ محافظ المصرف المركزي الياباني مرتاحاً للقرار الذي اتخذه رئيس الوزراء بتأجيل رفع معدل ضريبة الاستهلاك الذي كان مقرراً في تشرين الثاني الماضي. وحصل الأخير على ثناء كبير على الجهود التي بذلها لإخراج اليابان من حالة انخفاض الأسعار التي تسببت بركود طويل في الاقتصاد، إذ قدم حزمة من الحوافز المالية مقرونة بسياسة نقدية سهلة نفذها مصرف اليابان المركزي. وعلق محافظ الأخير على قرار تأجيل رفع ضريبة المبيعات بالقول إن السياسة المالية هي مسؤولية الحكومة والبرلمان لا البنك المركزي. وقصد بهذا التعليق تسليط الضوء على ضرورة اتخاذ إجراءات للمحافظة على الاستدامة المالية عندما ينتهي البنك المركزي من برنامجه للتسهيل النقدي. وعندما سُئل عن تاريخ وقف البرنامج، أجاب أنه من المبكر جداً الحديث عن هذا الموضوع. ولكن طالما أن المرحلة الثانية من رفع ضريبة المبيعات متوقعة في نيسان 2017، سيحتاج البنك المركزي إلى مواصلة برنامج التسهيل النقدي حتى تلك السنة على الأقل.
وفي وقت تسبب قرار تأجيل رفع ضريبة المبيعات بنوع من عدم الارتياح من قبل بعض الأطراف، منهم محافظ المصرف المركزي الياباني، ترى أطراف أخرى أنه القرار السليم خصوصاً أن الرفع الأول لمعدل الضريبة هو الذي تسبب بإعادة اليابان إلى الركود الاقتصادي مرة أخرى. وكتب الاقتصادي الأميركي الحاصل على جائزة نوبل «بول كروغمان» Paul Krugman في جريدة «نيويورك تايمز»، أن انتقال اليابان إلى حالة ركود بسبب الزيادة في ضريبة المبيعات أظهر بوضوح أن السياسة الانكماشية لا يمكن أن تكون نتائجها إلا انكماشية. كما وجّه كثيراً من الانتقاد إلى صندوق النقد لدعمه قرار زيادة معدل ضريبة المبيعات في وقت دعم استخدام حوافز مالية وسياسية نقدية توسعية.
وسبق ووجهت انتقادات مشابهة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عندما بدأوا بعلاج الركود الاقتصادي، بمزيج من سياسات مالية تقشفية اعتمدت تقليص الإنفاق العام وسياسات التيسير النقدي من خلال قيام مجلس الاحتياط الفيديرالي في الولايات المتحدة والبنك المركزي الأوروبي بشراء ديون المصارف التجارية لزيادة سيولتها وتوسيع قدراتها الإقراضية. وكان التساؤل حول كيف ستتصرف البنوك بهذه السيولة بجو مفعم بالإجراءات التقشفية وانخفاض الطلب المحلي. ولا يزال هذا المزيج من السياسات عاجزاً عن تحقيق الانتعاش الاقتصادي ومعالجة مشكلة البطالة في هذه الدول. وهنا تثبت النظرية الكينزية (نسبة إلى الاقتصادي البريطاني المعروف جون ماينرد كينز الذي أنقذت أفكاره العالم من الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي) صحتها والتي تدعو إلى تبني سياسات مالية توفر دعماً مباشراً لنمو الإنتاج وتوفير الوظائف بواسطة تنشيط الطلب الكلي وليس خنقه. فكينز خالف معاصريه من حيث جدوى السياسة النقدية في إخراج الاقتصاد من حالة الركود، وركز بالمقابل على أهمية السياسة المالية خصوصاً إذا أعطت أولويات الموازنة لزيادة أنواع الإنفاق المنشطة للنمو مثل توسيع الإنفاق الاستثماري والإعانات الهادفة إلى خلق وظائف وتحقيق عدالة أكثر في توزيع الدخل.
إن الركود الحالي في اليابان وانخفاض قيمة الين له تداعيات على تجارة اليابان مع الدول الأخرى. فانخفاض سعر الين والتحسن البسيط الذي يشهده اقتصاد الاتحاد الأوروبي أديا إلى تشجيع صادرات اليابان إليه، بينما تسبب ضعف الطلب المحلي الناتج عن الركود بانخفاض استيرادات اليابان من الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى انخفاض عجز الميزان التجاري بينهما إلى أدنى مستوياته في سنتين تقريباً. ويتوقع أن يواصل الميزان التجاري تحسنه بين الطرفين لصالح اليابان. وأقلق كوريا الجنوبية انخفاض سعر الين لأنها تعتبره مضراً بصادراتها. وأعلن البنك المركزي الكوري أنه سيتخذ إجراءات مناسبة بهذا الصدد. وفي الولايات المتحدة بينما تتركز الأنظار على الوقت الذي سيبادر فيه مجلس الاحتياط برفع سعر الفائدة، تعلن اليابان عن استمرارها تنفيذ سياسة نقدية سهلة. وقد تسبب التأكد من الاختلاف في توجهات السياسة النقدية بين البلدين بانخفاض سعر الين تجاه الدولار إلى 118 وهو الأدنى منذ سبع سنوات. خسر الين 20 في المئة من قيمته خلال السنتين الماضيتين و8 في المئة منذ أن أعلن البنك المركزي الياباني مواصلته سياسة التيسير النقدي. ويعتقد بعض المراقبين أن الين سينخفض 15 في المئة إضافية تجاه الدولار بنهاية عام 2015 لسببين، الأول لأن اليابان ستحتاج لاتخاذ إجراءات إضافية لتعزيز الاقتصاد. والثاني، الاختلاف في توجهات السياسة النقدية بين البلدين إذا توقفت الولايات المتحدة فعلاً عن تنفيذ سياسة الحوافز النقدية العام المقبل. وسيؤثر هذا الانخفاض حتماً على التجارة بين البلدين في شكل يضر بمصالح الولايات المتحدة والشركات الأميركية. فاليابان عادة شريك تجاري مهم لأميركا ووجهة أساسية للصادرات الأميركية بعد كندا والمكسيك والصين.