تلقي المشكلات الاقتصادية والسياسية بأثقالها على اللبنانيين بشكلٍ متعاظم، فتصعب سبل المعيشة وترتفع نسب البطالة والفقر والجوع، يوماً بعد يوم، سنةً بعد سنة.
فالدراسة التي أعدها «المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق» حول «تطور كلفة المعيشة وخطوط الفقر في لبنان للفترة 2005- 2013»، تقدّم صورة جليّة حول مدى الصعوبات المعيشية والاقتصادية والخدماتية التي تتصدّر الهموم واليوميات.
فقد أشارت الدراسة الى ارتفاع خط الفقر الأدنى للفرد من 2.4 دولار يومياً في العام 2005، الى 4.07 دولارات يومياً في العام 2012، إضافةً إلى ارتفاع خط الفقر الأعلى للفرد من 4 دولارات يومياً في العام 2005، الى 6.33 دولارات يومياً في العام 2012. وأشارت الدراسة الى ارتفاع خط الفقر الأدنى لأسرة مكونة من 5 افراد شهرياً من 365 دولاراً في العام 2005 إلى 619 دولاراً في العام 2012، الى جانب ارتفاع خط الفقر الأعلى لأسرة مكونة من 5 أفراد شهرياً من 608 دولارات سنة 2005 الى 963 دولاراً سنة 2012.
مؤشر الاستهلاك
تفيد الدراسة بأن مؤشر أسعار المستهلك قد ارتفع 80 في المئة بين العامين 2005 و2013. وتفاوتت حركة ارتفاع الأسعار بين بند وآخر ضمن أبواب الإنفاق المختلفة المكوِّنة لسلّة الاستهلاك. حيث لحق الارتفاع الأعلى أسعار المواد الغذائية والتعليم، بنسبة 82.19 في المئة و65.23 في المئة على التوالي. يلي ذلك السكن (60.2 في المئة) والاستجمام والتسلية والمطاعم (44.5 في المئة) والعناية الشخصية وسلع أخرى (44.5 في المئة) والماء والكهرباء والغاز (41.6 في المئة) ثم المفروشات وصيانة المنزل (33.96 في المئة) فالنقل والاتصالات (22 في المئة) والملبوسات والأحذية (16 في المئة) وآخرها الصحة (14 في المئة).
وتوضح الدراسة أن توزّع إنفاق كل فئة من سلّة الاستهلاك يعتمد على دراسة ميزانية الأسرة لفترتي 2004-2005 و2011-2012، ويُلاحظ أن أبواب إنفاق أساسية ارتفعت أهميتها النسبية في ميزانية الأسرة مقابل تراجع أهمية أبواب أخرى لمختلف فئات الدخل خلال الفترة المذكورة. فقد سجلت نفقات المسكن وملحقاته من ماء وغاز وكهرباء ومحروقات النسبة الأكبر من ميزانية الأسرة باختلاف مداخيلها، حيث بلغت حوالي الثلث كمعدّل وسطي لكل الفئات، في حين أنها بلغت حوالي 37 في المئة لفئة الدخل الدنيا و26.29 في المئة لفئة الدخل العليا. وقد ارتفع حجم الإنفاق على الصحة 63.9 في المئة للفئة الأدنى و26 في المئة للفئة الأعلى. أما المواد الغذائية فقد ارتفع حجمها 6.6 في المئة للفئة الأولى و13 في المئة للفئة الأعلى.
في المقابل، تراجعت أبواب التعليم (61.6 في المئة) والاستجمام والتسلية والمطاعم (40 في المئة) والنقل والاتصالات (32.5 في المئة) والملبوسات والأحذية (42.5 في المئة) لدى الفئات الدنيا. وفي حين ارتفع تثقيل النقل والاتصالات لدى الفئات الأعلى من الدخل 3.8 في المئة فقد تراجع تثقيل التعليم (31.7 في المئة) والترفيه والمطاعم (29.9 في المئة) والملبوسات والأحذية (25.4 في المئة) لدى هذه الفئة. وبالإجمال، بقيت نفقات المسكن والغذاء والنقل والاتصالات تشكل البنود الأساسية لميزانية الأسر في مختلف فئات الدخل.
كلفة المعيشة
ارتفعت كلفة المعيشة بين العامين 2004 و2013 بحسب دراسة المركز الاستشاري، بنسبة كبيرة لدى مختلف فئات الدخل. ومن الواضح أن وطأة التضخم هي أكبر على فئات الدخل المتدني منها على فئات الدخل الأعلى. وهذا التفاوت في معدلات التضخم بحسب فئات الدخل مرده اختلاف تضخم أسعار الاستهلاك بحسب أبواب الإنفاق، التي يتفاوت توزيعها بين مختلف فئات الدخل.
بقيت نسبة الزيادة في الإنفاق الفعلي لدى مختلف فئات الدخل خلال الفترة 2004- 2012 أقل بكثير من نسب الزيادات الكبيرة في معدّلات التضخم. أي بمعنى آخر، عجز غالبية الأسر عن اللحاق بتضخم الأسعار، خصوصاً فئات الدخل المتدنية التي تبقى قدرتها على زيادة الإنفاق أقل بكثير من وتيرة ارتفاع الأسعار قياساً على بقية الفئات. وهو ما يعكس تآكلاً متزايداً في القدرة الشرائية للأسر، وبالتالي تناقصاً في مستويات الإشباع التي كانت تحصل عليها. ويتجلى هذا التناقص في الفارق الكبير بين الزيادة في كل من الإنفاق الفعلي والتضخم العام 2012.
الفقر المدقع
قدّرت الأمم المتحدة أن متوسط السعرات الحرارية للبناني بـ2437 سعرة حرارية يومياً. وقد اعتمدت في حسابها لخط الفقر الغذائي على سلّة مكوّنة من ثمانية أصناف من الغذاء، وهي: خبز أبيض عربي، رز، دجاج طازج، لحم بقر طازج، زيت نباتي (ذرة، دوار الشمس)، تفاح، بندورة وخيار. ويبين وزن كل من هذه السلع في هذه السلة بحيث يشكّل الدجاج ولحم البقر (اللحوم ومشتقاتها) 49.8 في المئة يليهما الخبز الأبيض العربي والأرز (الحبوب والمنتوجات المصنوعة من الدقيق) 28.3 في المئة والخضار 10.8 في المئة والزيوت النباتية والدهنية 6.9 في المئة والفواكه 4.2 في المئة.
وقد جرت متابعة تغيّرات الأسعار لمكوّنات السلة منذ نهاية العام 2005 بحسب نشرات الأسعار التي تنشرها وزارة الاقتصاد والتجارة، وتبيّن أن هذه السلة قد تضخمت أسعارها بنسبة 90.55 في المئة في الفترة الممتدة ما بين كانون الأول 2005 وكانون الأول 2012. أما لجهة كل سلعة ضمن السلة فقد كان التضخم الأكبر في اللحوم ومشتقاتها حيث بلغ 103.7 في المئة تليها فئة الخضار بنسبة 99.5 في المئة، ثم الحبوب والمنتجات المصنوعة من الدقيق 75.2 في المئة، فالزيوت النباتية بنسبة بـ64.1 في المئة تليها الفواكه 59.4 في المئة.
وبناء على ما تقدم من معطيات، فقد ارتفع خط الفقر الغذائي من 1.53 في المئة دولار يومياً للفرد (45.9 دولار شهرياً) العام 2005 إلى 2.92 دولار يومياً للفرد (87.6 دولار شهرياً) العام 2012، إلا أن خط الفقر الغذائي يتفاوت على صعيد المحافظات حيث يرتفع هذا الخط إلى أعلاه في محافظة بيروت، في حين يبلغ أدناه في محافظة الشمال.