تجاوزت الدول المشاركة في مفاوضات ماراتونية في مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ الذي استضافته ليما للحد من الاحتباس الحراري، الخلافات بين الشمال والجنوب وتمكنت من انتزاع اتفاق في اللحظة الأخيرة.
فبعد أسبوعين من المفاوضات وتمديد المحادثات أكثر من 30 ساعة، تبنّت الدول بالإجماع إطاراً عاماً لتعهداتها المقبلة بخفض انبعاثات الغازات المسببة للدفيئة. وهذه التعهدات أو «المساهمات الوطنية» كما تسميها الأمم المتحدة، ستُعلن العام المقبل قبل قمة باريس حول المناخ.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي قرر تأخير موعد عودته إلى فرنسا لحضور ختام المؤتمر، أن «ليما قدمت قاعدة عمل جيدة».
وفي ليما تبنى المشاركون وثيقة ستُستخدم العام المقبل قاعدة للمفاوضات التي ستسبق مؤتمر باريس. ويُذكر أن انبعاثات الغازات المسببة للدفيئة في العالم، لا تزال تزداد سنوياً فيما يجب خفضها كي لا ترتفع درجة حرارة الأرض إلى مستويات خطيرة. وسيسمح اتفاق باريس الذي سيدخل حيز التنفيذ عام 2020 ببدء هذه العملية. وستضع الأمانة العامة لمعاهدة الأمم المتحدة حول التقلبات المناخية بحلول الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، خلاصة تحدد التعهدات المختلفة. وسيسمح ذلك بقياس الجهود مقارنة بهدف الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض بدرجتين مئويتين.
وكان التوصل إلى اتفاق في ليما حاسماً لتحديد قواعد مشتركة، وكي لا تستغل دول فراغاً للمساهمة في شكل اقل في مكافحة ظاهرة الاحتباس. ونجحت الصين في الإقناع بعدم تقويم التعهدات الوطنية وفق إمكانات الدول.
وكانت مهمة وزير البيئة البيروفي مانويل بولغار فيدال الذي كان يدير النقاشات، صعبة، وأجرى وراء الجلسات الرسمية مشاورات لساعات طويلة مع دول عدة للتوصل إلى تسوية.
ورأت المنظمات غير الحكومية وأطراف آخرون، أن النص «طموح جداً»، إذ قال المفوض الأوروبي المكلف المناخ والطاقة ميغيل ارياس كانيتي، «إننا على طريق التوصل إلى اتفاق شامل في باريس».
واعتبر المفاوض البرازيلي انطونيو ماركونديس، أن «الاتفاق ليس مثالياً لكننا راضون عنه»، مؤكداً أن النص يسمح بالاعتراف بـ «حاجات الدول النامية». وأسف ممثل ماليزيا باسم مجموعة كبيرة من الدول النامية، لـ «عدم التحدث عن الخطوط الحمر». وشدّد بنبرة حازمة أن «على المساهمات الأخذ في الاعتبار التأقلم مع التقلبات المناخية». وطالبت دول الجنوب أيضاً وعبثاً بإيضاحات عن قنوات التمويل التي ستسمح بالوصول إلى مئة بليون دولار من المساعدات عام 2020، ولا تزال غير واضحة. ولعدم إحراز تقدم كبير حول هذه النقاط، نجحت هذه الدول في الإقناع بتخفيف درجة دقة المعلومات الواجب تقديمها حول المساهمات.
وأكد الاتفاق أيضاً مبدأ «المسؤولية المشتركة لكن المتباينة» في الاحتباس، الذي تتمسك به الدول.
وفي المبادئ، يؤكد الاتفاق هدف التوصل إلى «معاهدة طموحة في 2015، تعكس مبدأ المسؤولية المشتركة لكن المتباينة للأطراف لظاهرة الاحتباس وهو مبدأ مدرج في معاهدة الأمم المتحدة، والحد من ارتفاع درجات الحرارة بـ 1.5 ودرجتين مئويتين. والدول المتطورة «مدعوة بقوة» إلى تقديم دعم مالي ثابت للدول النامية، خصوصاً الأكثر ضعفاً لسعيها إلى الحد من الانبعاثات والتأقلم مع التقلبات المناخية.
وكان للخبراء موقف من نتائج المحادثات، إذ رأوا أن عدم إحراز تقدم حقيقي في مؤتمر المناخ الذي عقد في ليما واختتم في الساعات الأولى من صباح أمس، يضرّ بفرص التوصل إلى اتفاق عالمي العام المقبل، يكبح في شكل فعال التغير المناخي ويتعامل مع آثاره.
وتسعى الدول إلى التوصل إلى اتفاق في باريس نهاية عام 2015، حول كيفية التعامل مع تداعيات التغير المناخي ما بعد عام 2020، لأن أي اتفاق يجري التوصل إليه سيؤثر في الطاقة العالمية والنقل والتنمية لعقود مقبلة.
وكان لمحادثات ليما هدف واضح ومحدد هو الاتفاق على نطاق الاجتماع المقرر عقده في باريس العام المقبل وجدول أعماله. وسيُستكمل العمل بعد مؤتمر ليما، استناداً إلى روزنامة اجتماعات ولقاءات وجولات مفاوضات العام المقبل، للتوصل إلى اتفاق متعدد الطرف نهاية العام المقبل في باريس لمكافحة ظاهرة الاحتباس. ومن هذه اللقاءات اجتماع الدول في الثامن من شباط (فبراير) المقبل في جنيف لاستئناف المحادثات حول وثيقة عمل اتفاق باريس المقبل.
ويجب أن تعلن الدول «القادرة على ذلك» وقبل نهاية آذار (مارس) المقبل، تعهداتها التي تسمى «المساهمة الوطنية للحد من انبعاثات غازات الدفيئة»، فيما يكون يوم 31 أيار (مايو) الموعد المحدد لرفع مشروع نص رسمي إلى الدول الـ 195 الأعضاء في معاهدة الأمم المتحدة حول المناخ. وفي النصف الثاني من العام المقبل، ستُعقد جولة جديدة من المفاوضات تمهيداً لاتفاق «باريس – لو بورجيه» في مكان لم يحدد بعد، على أن يُعقد المؤتمر الـ 21 للأمم المتحدة حول المناخ بين 30 تشرين الثاني و11 كانون الأول (ديسمبر) 2015، في لوبورجيه شمال باريس.