IMLebanon

الاقتصاد العالمي يتباطأ رغم تراجع أسعار النفط

OilPricesDown1
جون أوثرز

أسعار النفط الخام انخفضت أكثر من النصف عن مستوياتها المرتفعة ما بعد الأزمة، مع كون جميع هذا الانخفاض تقريباً يأتي في الأشهر الخمسة النشطة الماضية، وهو آخذ في التسارع.

هذا يعتبر تعديلا اقتصاديا هائلا. وتماشياً مع كتب التاريخ الإنجليزي القديم، يجعل المرء يتساءل ما إذا كان هذا أمرا جيدا، أم سيئا. ومع أن النفط يعتبر ذا أهمية لاقتصادات العالم المتقدّم أقل بكثير مما كان عليه في السبعينيات، إلا أن النفط الأرخص ينبغي أن يكون ربحا صافيا. فهو يقلل من التكاليف بالنسبة لمعظم الشركات، وفي الوقت نفسه يعمل على تحرير المستهلكين للإنفاق أكثر.

هذا هو السبب في كون انخفاض أسعار النفط عادة ما يرافقه ارتفاع في أسعار الأسهم، لا سيما في الولايات المتحدة، حيث معظم الأمريكيين لا يزالون متشبثين بالسيارات. لكن هذا الأسبوع، بدأ سلوك المستثمرين يتمحور. أسعار النفط لا تزال تنخفض، لكن هذا الآن يُنظر إليه باعتباره أمرا سيئا.

التحركات الحاسمة توجد في أسواق السندات. في الولايات المتحدة، عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشرة أعوام انخفضت كثيراً دون 2.2 في المائة مرة أخرى، وأقل من مستوى الإقفال في 15 تشرين الأول (أكتوبر)، يوم “الانهيار الخاطف” في سوق السندات، عندما انخفضت العائدات فجأة إلى نسبة تقل عن 2 في المائة، الأمر الذي أثار الذعر.

في منطقة اليورو، حالات تعادل التضخم لخمسة أعوام في ألمانيا – أي توقّع التضخم الذي يمكن أخذه من طرح العائدات على سندات الدخل الثابت من العائدات على السندات المرتبطة بالتضخم – انخفضت إلى أقل من الصفر الأسبوع الماضي.

والمتداولون يتوقعون انكماشا في منطقة اليورو خلال الأعوام الخمسة المقبلة. وفي الولايات المتحدة، حالات تعادل التضخم للأعوام العشرة المقبلة انخفضت إلى 1.62 في المائة، وهو أدنى مستوى لها منذ خريف عام 2010، عندما دفعت التعادلات المنخفضة الاحتياطي الفيدرالي لإطلاق جولة برنامج التسهيل الكمي الثانية.

وهذا يدل على نذير لا لبس فيه يشير إلى أن الاقتصاد العالمي، حتى بعد التحفيز من انخفاض أسعار النفط بنسبة 50 في المائة، يتباطأ.

الصين هي مصدر هذا النذير. حتى الآن كان يُنظر إلى انخفاض أسعار النفط على أنه تابع لوفرة العرض. فإنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة آخذ في الارتفاع، في حين أدى امتناع منظمة أوبك الشهر الماضي عن الحد من العرض إلى خفض أسعار النفط الخام بشكل كبير. والعرض الوفير أمر جيد بالنسبة لأي شخص لا يعتاش من بيع النفط.

لكن الأسبوع الماضي جلب أدلة تفيد بأن الطلب الضعيف أيضاً جزء من المعادلة. فقد أعلنت منظمة أوبك أنها تتوقع أن يصل الطلب على نفطها في العام المقبل إلى أدنى مستوى منذ 12 عاماً. كذلك انخفضت الواردات الصينية بنسبة 6.7 في المائة بالمعدل السنوي في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) ـ بالنسبة للعام ككل الواردات تبدو ثابتة تماماً. ونما الإنتاج الصناعي بمعدل يبلغ 7.2 في المائة – وهذا أمر مثير للإعجاب بالنسبة لأي مكان آخر في العالم، لكن ليس بالنسبة للصين. فالإنتاج الصيني الآن ينمو ببطء أكثر من أي وقت تقريباً منذ عام 1990، عندما يُنظر إليه بمتوسط تحرّك مدته 12 شهرا.

لقد أمضت السلطات الصينية هذا العام وهي تحاول بعزم التعامل مع المشاكل الكامنة في نظامها المالي. وهذا يعتبر بمثابة بشرى سارة جيدة للجميع، لكن بيانات الأسبوع الماضي تؤكّد أن هذه الإصلاحات تخلق مخاطر تباطؤ اقتصادي على المدى القصير.

وإذا كانت الصين تتباطأ، فإن التشخيص بالنسبة لبقية العالم هو أنه يتدهور. معدلات التضخم المنخفضة ربما تجلب الأموال الرخيصة في أعقابها، لكن بالنسبة للصين سيكون من غير الحكمة الاعتماد على ذلك. لقد قفزت الأسهم الصينية على خلفية خفض أسعار الفائدة الشهر الماضي، لكن السلطات الصينية تخبر المستثمرين أن يستعدوا “لمعدل طبيعي جديد”، يُفترض أنه يعني تحفيزا نقديا أقل. وانخفضت الأسهم الأسبوع الماضي بعد أن قلصت السلطات استخدام الرفع المالي.

في أوروبا، الإعلان عن التشديد المخيب للآمال على قروض برنامج عمليات إعادة التمويل طويلة الأجل TLTRO من البنك المركزي الأوروبي إلى البنوك – بالكاد وصلت إلى نصف الحجم البالغ 400 مليار يورو المُعلن عنها – أدى إلى انتعاش الأسهم على أمل أن هذا من شأنه فرض اللجوء إلى برنامج عمليات شراء السندات الحكومية، على غرار برنامج التسهيل الكمي. لكن المشكلة الأساسية لتباطؤ النمو المُفرط تبقى.

وهذا يترك الولايات المتحدة، التي يمكن للمرء أن يلمس نموها المستمر. فهل بإمكانها الاستمرار في النمو بينما بقية العالم يتباطأ؟ إنها اقتصاد مغلق نسبياً، ويستفيد كثيراً من النفط الأرخص، لذلك هذه الفكرة ليست غريبة على الإطلاق. لقد تم وضع الكثير من الأموال بالتحديد على مثل هذا الرهان هذا العام. ثقة المستهلكين في الولايات المتحدة، حسب مقياس جامعة ميشيجان، انتعشت إلى أقوى مستوياتها منذ أوائل عام 2007.

لكن يمكن تحمل هذا الوضع إلى حد معين فقط. في الوقت الراهن، تختار السوق أن تقلق بشأن تباطؤ شركات التصنيع الصينية، بدلاً من الابتهاج من إنعاش المستهلكين الأمريكيين. الطريقة التي ستتم بها موازنة هاتين القوتين القطبتين ستحدد ما إذا كان النفط الأرخص أمرا جيدا أم سيئا.