وائل مهدي
الحديث هذه الأيام لا يخلو من هبوط أسعار النفط، وبدأ القلق يتسرب إلى النفوس بعد فقدانه 20 في المائة من قيمته عقب القرار الذي اتخذته منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الشهر الماضي بالإبقاء على سقف إنتاجها كما هو عند 30 مليون برميل يوميا. وللذين يهمهم معرفة مصير الأسعار في العام القادم هناك كلمتان مهمتان: «الكونتانقو» والمخزونات.
فمع الهبوط الحاد في أسعار نفط برنت والتي فقدت نحو 40 في المائة من قيمتها منذ يونيو (حزيران) الماضي وأصبحت تتداول منذ أمس عند 63 دولارا ومع نشوء «الكونتانقو» في السوق وارتفاع تخزين النفط، بدأت السوق في استرجاع ذكريات عام 2008 عندما تحطمت أسعار غرب تكساس وهبطت من 145 دولارا في يوليو (تموز) لتصل إلى أقل من 40 دولارا بحلول ديسمبر (كانون الأول) من نفس العام.
و«الكونتانقو» هي وضعية تنشأ مع وجود فائض في الأسواق وتباطؤ في الطلب، حيث تصبح فيها أسعار تسليم عقود النفط الآجلة في المستقبل أعلى بكثير من أسعار بيعها الحالية، وهو ما يدفع بالتجار والمتعاملين بتخزين النفط طمعا في بيعه غدا بسعر أعلى.
وترى دول في «أوبك» مثل العراق أن «الكونتانقو» في أسعار النفط في آسيا هو ما جعلها تعلن عن تخفيض كبير هو الأعلى منذ 11 عاما على خامها البصرة الخفيف المتجه لآسيا في شهر يناير (كانون الثاني) القادم.
لكن هناك في السوق مثل مصرف غولدمان ساكس من يرى أن «الكونتانقو» الذي نشهده اليوم ليس مبررا كافيا لتخزين النفط، وليس مبررا حتى نعود بالذكريات إلى عام 2008.
وقال غولدمان ساكس في تقرير أمس اطلعت عليه «الشرق الأوسط»: «شكل المنحنى المستقبلي للأسعار لا يحفز تخزين النفط».
ويشرح المصرف الأميركي العملاق موقفه بالقول إن أسعار بيع نفط غرب تكساس الفورية في سوق نايمكس في نيويورك هبطت إلى 58 دولارا أمس ولكن سعر بيعه المستقبلي بعد 5 سنوات عند 69 دولار للبرميل، وهذا لا يقارن بالوضع الذي كانت عليه الأسعار في 2008 عندما كان سعر بيع غرب تكساس 33 دولارا وكان السعر المستقبلي 70.5 دولار.
وأضاف غولدمان ساكس: «السبب الذي جعل (الكونتانقو) حادا في عام 2008 هو أن مخزونات النفط في الاقتصادات المتقدمة الأعضاء في منظمة (OECD) ارتفعت بنحو 60 مليون برميل بين نوفمبر (تشرين الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول) لذلك العام. أما في نفس الفترة في العام الحالي 2014 فقد ارتفع المخزون بنحو 18 مليون برميل. وهذه المستويات بعيدة عن إحداث تحدي لسعات التخزين وتتطلب (كونتانقو) عميقا».
لكن لا أحد يستطيع إخفاء القلق حيال شكل المخزون في العام القادم في كل العالم بشكل عام إذ إن اليوم هناك دول أخرى أصبحت جزءا من منظومة التخزين العالمية للنفط مثل الصين وقريبا الهند. والصين هي أكثر شاري للنفط من السوق الفورية في الأشهر الماضية وبخاصة نفوط الشرق الأوسط مثل دبي وعمان حتى تبني المزيد من مخزوناتها، إما لبيعها لاحقا أو للاستفادة منها محليا.
وعلى عكس غولدمان ساكس، يرى مصرف باركليز البريطاني أننا بالفعل في نفس ظروف عام 2008 إذ توقع المصرف البريطاني في تقرير أمس أن تكون السوق العالمية قد خزنت نحو 215 مليون برميل من النفط في الربع الثالث من 2014 وهو مستوى مقارب للمستوى العالمي في الفترة 2008 / 2009.
وبالنسبة للتخزين في العام القادم فإن السوق العالمية قد تبني مخزونا حجمه 300 مليون برميل في النصف الأول من العام كما يقول «باركليز»، وهذا سيشكل ضغطا على الأسعار وعلى شكل المنحنى المستقبلي لها. ويرجع «باركليز» السبب في بناء هذا المخزون الكبير إلى قرار «أوبك» بعدم تخفيض إنتاجها. وسيتسبب قرار «أوبك» في بناء مخزون إضافي في النصف الثاني قدره 120 مليون برميل كذلك.
إلا أن باركليز يقول إن الطلب في السوق اليوم أفضل بكثير من الطلب في عام 2008 عندما انهار الاقتصاد العالمي، ومن المحتمل أن تساعد الصين والهند في امتصاص جزء من الفائض النفطي في العام القادم لبناء مخزوناتها.
أما وكالة الطاقة الدولية فلقد أوضحت في تقريرها الجمعة الماضية أن العالم قد يشهد بناء المخزون بنحو 297 مليون برميل في النصف الأول من العام القادم وهو ما سيجعل حجم النفط المخزن عالمياً يرتفع إلى 2869 مليون برميل وهو مستوى غير مسبوق وسيشكل تحديا لسعات التخزين العالمية.
ولا تنوي دول «أوبك» خفض إنتاجها في العام القادم ولهذا سيبقى الأمل معلقا على أن يتأثر الإنتاج من خارج «أوبك» وبخاصة النفط الصخري حتى يتقلص الفائض وتستعيد الأسعار عافيتها.