تلبس اسواق بيروت والضاحية الجنوبية ثياب العيد قبل أيامٍ من حلوله، متزيّنةً كما كلّ عام بالأضواء والفرح. إنّما تبقى الناقصة الوحيدة هذا العام كما في الأعوام الثلاثة الفائتة، هي الحركة التجارية التي تنوء من تراجعٍ إلى تراجع، بحيث يتكبّد اصحاب المؤسسات المزيد من الخيبات والخسائر، في ظل تفاقم المشكلات السياسية والاقتصادية والحوادث الأمنية.
لم ينجح اقتراب العيد في تحريك عجلة الأسواق الراكدة، إذ يجمع التجار الذين التقتهم «السفير» في اسواق بيروت والحمراء ومعوّض ومار الياس على أنّ «الحركة خجولة جداً، والناس يكتفون بشراء الضروريّ، ويفضّلون البضاعة الزهيدة الثمن، فيما البضاعة الجديدة تنتظر من يشتريها من دون جدوى».
تراجع 40%
يقدّر رئيس «جمعية تجار سوق معوّض» عصام العبد الله التراجع هذا العام في فترة العيد بين 30 و40 في المئة مقارنةً مع الفترة نفسها من السنة الماضية التي كانت بدورها سيئة على الاسواق التجارية وبالتحديد سوق معوّض». ويرى العبد الله أن «الوضع الأمني وأحداث الخطف وأخبار داعش قضت على ما تبقّى من تفاؤل في تحسّنٍ ممكن في حركة الأسواق»، مشيراً إلى أن «السياح والمغتربين يخافون أن يأتوا الى لبنان لتمضية العيد، في ظل الاخبار السيئة التي يسمعونها، وبذلك تخسر السياحة والتجارة هذا العام فرصةً جديدة لتحريك هذين القطاعَين، فحتى الآن لم نرَ سياحاً او مغتربين يتجوّلون في الاسواق سوى نادرا، باستثناء بعض العراقيين والسوريين».
ويجزم أنّ «هذه السنة هي الأسوأ على الحركة التجارية منذ سنواتٍ طويلة»، سائلاً: «لماذا لا تتحرّك الدولة لحمايتنا من الخسائر وخطر الإقفال؟ ومتى يشعر المعنيون بحالنا ونحن نحارب من أجل لقمة عيشنا وعيش عائلاتنا؟ هل يعقل قبل أسبوعٍ من عيد الميلاد أن نجد الأسواق شبه فارغة من الزبائن؟».
ركود مستمرّ
حال تجار سوق مار الياس ليست أفضل، كذلك في اسواق بيروت، الشكوى نفسها يكررها أصحاب المؤسسات الذين كانوا يأملون أن تنجح أجواء العيد في بث بعض التفاؤل والتحسّن، بعد ركودٍ مستمرّ منذ اكثر من ثلاث سنوات.
يصف سليم (صاحب متجر للالبسة في مار الياس) الوضع «بالسيئ جداً». ويقول عبر «السفير»: «الحركة تتراجع بدل أن تتحسّن، وكل خبر أمني سيئ ينعكس سلباً علينا، فحتى اليوم والعيد أصبح على الابواب، لا سياح ولا مغتربين، وهذا يضعنا أمام وضع صعب جداً، فنحن في نهاية المطاف، نعتمد على موسم الاعياد حتّى نبيع ونحقق الارباح».
تجلس رينيه أمام محلّها الصغير في الحمراء، وهي سيدة ستينية، تدخّن سيجارتها بحسرةٍ وتقول: «هذا المحل عمره أكثر من 30 عاماً، لم يمرّ عليه سنة كهاتين السنتين». وتلفت الانتباه إلى أن معاناتها هي معاناة كل التجار، فحتى في ايام الحرب، لم تتراجع الحركة التجارية الى هذه الدرجة، ولم يغب السياح والمغتربون بهذه الطريقة عن لبنان». وتسأل: «هل من المنصف بعد كل هذه السنوات أن أضطرّ إلى إقفال هذا المتجر الذي يؤمن لي العيش بكرامتي وأنا في هذه السن؟».
وإذ يوافق رفيق (صاحب محل للأحذية في الحمراء) على ما تقوله رينيه، يضيف: «شارع الحمراء يعيش أسوأ اوقاته، شارع الفكر والتسوّق فارغ وعيدَا الميلاد ورأس السنة يصادفان بعد ايام، وهذه فعلاً سابقة خطيرة».
أقل من المتوقّع
في السياق نفسه، يتوقّع رئيس «جمعية تجار الحمراء» زهير عيتاني عبر «السفير» أن «تكون سنة الـ 2015 أسوأ من سابقتها، لأنه على ما يبدو الأوضاع ذاهبة الى مزيدٍ من التدهور، وكل التنزيلات والعروضات التي حاول التجار من خلالها تحسين الحركة التجارية، باءت بالفشل». ويوضح أن «الحركة قبل العيد خجولة جداً وبطيئة، وأقلّ بكثير ممّا اعتدنا عليه في السنوات العادية»، مشيراً إلى أن «هاتين السنتين الأخيرتين متشابهتين من حيث الركود والتراجع في الحركة وغياب السياح والمغتربين، باستثناء بعض العراقيين والسوريين». ويترك عيتاني بصيص أمل إذ يرى أنّ «هناك تحسّناً ضئيلاً في حركة الاسواق هذا الشهر مقارنةً مع الأشهر الفائتة من العام، وإن كانت حركة بطيئة وغير كافية، إنما نرى بعض التحسن في حركة المتسوّقين ورواد المطاعم والمقاهي والفنادق».
من جهته، يرى رئيس «جمعية تجار سوق مار الياس» عدنان الفاكهاني أنّ «الديكور أي الزينة والأضواء، وحده يدلّ على العيد، فيما الحركة أقل من عادية». ويشير الى أن «الأوضاع السياسية والامنية المتأزّمة، تنعكس سلباً على القطاع التجاري للسنة الرابعة على التوالي». ويلفت الانتباه إلى أن «التجار باتوا عاجزين فعلاً عن تحمّل المزيد من الضغوط والتراجع»، ثمّ يستدرك قائلاً: «لكننا قطاع حضاري ولا ننزل الى الشارع ونقطع الطرق احتجاجاً، لذلك ربما لا أحد يشعر بحالنا». ويفيد بأن «لبنان لم يمر عليه إقفالات وافلاسات بهذه الطريقة حتى في اصعب الظروف بما فيها الحرب الاهلية». ويؤكّد أنّ «أي حركة تجارية او سياحية ترتبط بشكلٍ اساسيّ بالوضع الامني والسياسي ونحن اليوم نعيش فراغاً رئاسياً منذ أشهر، إضافةً إلى الوضع الامني الخطير»، آملاً أن «يحمل العيد بعض الامل والتفاؤل للاقتصاد بأكمله، لا سيما القطاع التجاري».