انطلق بحلم صغير من شارع الحمرا الى 27 بلداً في العالم و5 مصانع منتشرة في الدول العربية. أدخل مفهوماً جديداً للشوكولا، وخلق ثورة في هذا القطاع. انه نزار شقير مؤسّس «باتشي»، الذي أعطى «من قلبه» كل ما يلزم لتطوير الشوكولا وخلق عالماً خاصاً لهذا المنتج في لبنان والعالم حتى صنّفت «باتشي» من أهم 20 ماركة في العالم. تحتفل «باتشي» اليوم بمرور 40 سنة على تواجدها في الاسواق اللبنانية، وهي لا تزال تجدد وتطور مفهوم الشوكولا والتغليف. فإليكم القصة:
أسّس «باتشي» السيّد نزار شقير عندما كان في الـ 33 من عمره، لكنّ علاقته بالشوكولا لم تأت عن طريق الصدفة بل تولّع بها منذ الصغر، بعدما كان يعاون أخواله الذين كانوا يملكون محلات للشوكولا في أسواق بيروت قديماً.
قربه من أخواله الذين يندرجون من عائلة الصيداني وشخصيته الفذّة وآراؤه المنفردة ودراسته المتأنية لكل خطوة يقوم بها دفعته الى المواظبة على العمل بعد الدراسة، حتى ترك الدراسة وتفرّغ للعمل في هذا المضمار. مع الوقت ازداد ولع شقير بالشوكولا بحيث اعتبر انه يمكن الغوص في هذا القطاع أكثر وتطويره، عدا عن انه عمل مربح وله فوائد كثيرة.
في الوقت نفسه، كانت واجهات العرض في محلات اسواق بيروت تبهره إضافة الى الباعة وحركة الأسواق، كما كانت لديه الحشرية لمعرفة ما الذي يجذب الزبائن الى محل أكثر من سواه، ولفتته التجارة البنّاءة التي تقوم على أسس ونظم. كل هذه العوامل، من حبّه للشوكولا الى حبّه للتجارة، دفعته الى ترك الدراسة في عمر الـ15 سنة ليعمل بدوام كامل مع أخواله.
فكان يشتري منهم الشوكولا بالجملة ويبيعها بالمفرّق. نجاحه في هذا المضمار والارباح التي كان يجنيها جعلته في عمر الـ20 شريكاً لأخواله في أعمالهم، وفي المحال التي يملكونها.
خبرته وطريقة تعاطيه مع الزبائن واهتمامه بإرضائهم دفعته الى توسيع أعماله، ففتح بالشراكة مع أخواله محلاً لبيع الشوكولا في شارع ويغان تحت اسم «la bonboniere» قرب الفرع الرئيسي اليوم لباتشي في أسواق بيروت. بعد فترة استحوذ شقير على اسم «labonboniere» منفرداً، ومن هذا المحل انطلق عمله في مجال الشوكولا. في ذاك العصر كانت «البونبونيير» قطعة مهمة جداً تستخدم في الافراح والولادات، وهي عبارة عن كريستال أو زجاج او بورسلان يضاف اليها شوكولا أو ملبّس.
لكنّ نزار طوّر هذا المفهوم وعمل على انتشاره مستفيداً من علاقاته مع تجّار ايطاليين. فكان يشتري الاكسسوار من ايطاليا، وتحديداً من نابولي، للتفنّن في زينة الشوكولا. أعجب بعمله وتطوّره فقرر ترك اسم «لا بونبونيير» لأخواله وإطلاق متجر «باتشي» عام 1974 في شارع البافيون -الحمرا.
في هذا الاطار، يوضح شقير أنه مع إطلاق متجر «باتشي»، أخذ مفهومي الشوكولا والبونبونيير وطوّرهما مستعملاً فقط المنتجات الفاخرة، مثل الكريستال المستورد من أوروبا. وقد اشترى للغاية الوكالة الحصرية لـ»كريستال دو سيفر».
ولأنه كان يرفض استيراد الشوكولا من الخارج فتح مصنعاً صغيراً للشوكولا قرب منزله، مؤمناً بمبدأ أن «لنجاح هذا المشروع يجب أن أكون على معرفة بأدقّ تفاصيل المنتج مع الاشراف على تصنيعه». وأصرّ شقير على عرض المنتج في أفضل إطار، وعمل على تطويره بحيث لا يقدّم فقط في علبة كريستال او بورسلان. لذا، ضمّ الوردة الى مفهوم الشوكولا، ومن هنا أدخل مفهوم الشوكولا المزيّن.
ويؤكد شقير انّ «باتشي» نجحت كثيراً في شارع الحمرا، ومفهوم الشوكولا المزيّن بالورود لاقى إقبالاً كبيراً من اللبنانيين ومن السيّاح على حد سواء. نجاح هذا المفهوم دفع بشقير لنقله الى الاردن، وفتح أول متجر لـ»باتشي» عام 1976، كما أنشأ مصنعاً للشوكولا هناك.
ومن الاردن عاد وانطلق الى الخليج العربي فالعالم. افتتح شقير فروعاً لـ»باتشي» في السعودية في جدة، في الرياض، ثم في الكويت فالبحرين، ودبي… خلال الثمانينات وحتى مطلع التسعينات، كان باتشي يتوسّع في المنطقة العربية تدريجاً.
هذا التوسّع في العالم وفي لبنان جعل متطلبات «باتشي» أكبر، لذا أطلق شقير عام 1990 المصنع الكبير الموجود حالياً في منطقة الشوف، ويتألف من خمسة طوابق يصنّع الشوكولا من الألف الى الياء، يتضمّن مصنعاً للورود أو كل ما يلزم لتزيين الشوكولا، ومصنعاً يختصّ بالطباعة من الاكياس الى العلب والتغليف، ومصنعاً للفضّة هو في طور التجديد راهناً.
ولمؤسسة «باتشي» اليوم 5 مصانع في عدد من البلدان، بهدف تأمين منتجات طازجة الى كل البلدان مع الحفاظ على النوعية. وتنتشر المصانع في كلّ من السعودية، حيث هناك مصنع يلبّي احتياجات السوق السعودي والكويتي، بالإضافة الى مصنع في الامارات، وآخر في سوريا، ومصنع في مصر، وكذلك في لبنان.
ويذكر شقير أنّ باتشي كانت أول من أطلق غلاف الشوكولا «البليسيه» عام 1982، وهو نوع من الاغلفة لم يكن متعارفاً عليه في السابق، أطلقته ومزجته مع الورد للتزيين، ما خلق مفهوماً جديداً للشوكولا ولإهداء الشوكولا، في المناسبات كلها.
وعن نقاط القوة التي تتميّز بها «باتشي»، يقول شقير: انّ ما يميّزنا عن غيرنا هو «مفهوم المنتج». «باتشي» خلقت مفهوماً وسوقاً خاصاً بها. فهي طوّرت الشوكولا وخلقت مفهوم «هدية الشوكولا» بتصنيعها شوكولا ذات جودة عالية، باستيراد المواد الاولية من أهم المصانع في العالم، مشدداً على ألا يدخل على هذا المنتج أيّ ألوان وأيّ مواد حافظة.
الى جانب الجودة والنوعية الممتازة للشوكولا، توّجت «باتشي» الشوكولا بتصاميم عصرية للزينة بتصنيع يدوي. وها هي اليوم تجمع بين عالمين، عالم النكهة الراقية واللذيذة والمميزة الى جانب الشكل. وتتضمّن التصاميم والشغل اليدوي والتغليف المتنوع.
أضاف: انّ تواجد «باتشي» في 27 دولة في العالم، ضمن 125 فرعاً من ضمنها 18 في لبنان، جعلها تتماشى مع أعياد كل البلدان التي تتواجد فيها ومناسباتها وعاداتها، ما ساهم في تطوير هذه الماركة وتوسعها. وتواجد «باتشي» في مناطق عالمية يساعد كثيراً.
على سبيل المثال، إنّ تواجد «باتشي» في «هارولد»، وهو أفخم متجر في العالم في لندن، يفيد في انتشار الماركة، ويساهم في تطويرها. لذا، صنّفت «باتشي» وفق «فوربس» من أهم 20 ماركة في العالم.
هذه الانجازات دفعت بـ»باتشي» لأن تحذو حَذو كل الماركات العالمية، فأنشات أكبر فرع لها في العالم عام 2003 في وسط بيروت في مبنى من 5 طوابق فيه كل أصناف منتجات «باتشي» التي تتماشى مع كل الافراح والمناسبات.
هوية «باتشي» الجديدة
وعن هوية «باتشي» الجديدة، قال شقير: عام 2012 شعرنا بضرورة خلق هوية جديدة وعصرية للماركة، بحيث عدّلنا في لوغو «باتشي»، وأدخلنا المونوغرام أي علامة «باتشي» الموجودة على كل العلب والاكياس والشرائط.
وأردنا من خلال هذا العمل تتويج تفرّدنا في كل ما نقوم به، وأطلقنا معه شعار «heart made» أي «من القلب». أضاف: اليوم تحتفل «باتشي» بعيدها الاربعين، وهي خلال هذه الاعوام جعلت من الشوكولا ضيافة اساسية، بعدما كان تواجده اوروبياً وهويته اوروبية. ويعتبر شقير انّ 40 عاماً في صناعة الشوكولا وتوزيعه في العالم العربي هو رقم كبير. وللمناسبة، توّجت «باتشي» عيدها الاربعين بإضاءة شجرة العيد في وسط بيروت، رافعة شعار الأربعين عاماً.
كما اطلقنا عالمياً علبة الاربعين عاما بإصدار محدود يتضمن نكهات جديدة لم يسبق لـ«باتشي» أن أصدرتها، وستتوافر هذه العلبة في متاجر «باتشي» كلها، وابتداءً من اليوم ستكون متوافرة في متاجر «باتشي» لبنان لمدة ثلاثة أشهر فقط، على أن يعود ريع مبيعاتها لمؤسسة «نوايا» التي تعنى بمواهب الشباب اللبناني.
وعن أسعار «باتشي»، يؤكد شقير: «تتوافر في متاجرنا خيارات كثيرة في الأسعار بشكل يتوافق مع كل شرائح المجتمع لأنّ التنوع كبير ونحن غير محصورين بشريحة واحدة. لكننا، من دون شك، نلبّي طموح من يسعى الى الذوق الراقي والطعم اللذيد والنوعية الممتازة».