بقلم طوني أبي نجم
عاد رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع من الرياض بعد زيارة استمرت أياماً الى المملكة العربية السعودية حيث أجرى عدداً من اللقاءات السياسية مع أبرز القيادات السعودية.
أكثر من إشارة لفتت في زيارة جعجع الأخيرة، وهي الثانية له في الشهرين الأخيرين:
ـ أولاً: الحفاوة البالغة التي خصّت القيادة السعودية ضيفها اللبناني، وقد تعمّد المسؤولون السعوديون إظهار هذا التكريم الخاص لرئيس “القوات اللبنانية” المسيحي.
ـ ثانياً: اتخذت الزيارة طابعاً شبه رئاسي في الشكل، بمعنى حجم الاستقبالات الرسمية على أعلى المستويات، والتي لم ينقصها إلا أن يقوم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز باستقبال جعجع شخصياً، والمعلومات تشير الى أنه جرى بحث إمكانية استقبال جعجع على هذا المستوى غير أن عوامل طرأت حالت دون إتمامه.
لا بل إن الصور الموزعة من الرياض، وطريقة التعامل الرسمي والإعلامي السعودي أظهرت الزيارة “رئاسية” بامتياز شكلاً ومضموناً واهتماماً.
ـ ثالثاً: أرادت المملكة أن تقول علانية أنه، وأي تكن ما ستؤول إليه الأمور في الانتخابات الرئاسية في لبنان فإنها تتعامل مع جعجع على أنه ممثل المسيحيين الفعلي والثابت والراسخ.
ـ رابعاً: بعدما كان معروفاً أن صداقة تربط جعجع ببعض القيادات السعودية مثل الأمير مقرن بن عبد العزيز والأمير بندر بن سلطان، لفت الى أن لقاءات جعجع شملت الجيل الجديد من القيادة السعودية ما يؤكد أن علاقة رئيس “القوات” بالسعودية هي علاقة استراتيجية وليست مرتبطة بأشخاص معينين.
ـ خامساً: أكدت الرياض أن الضوء الأخضر للتوافق على أي مرشح رئاسي يمرّ حكماً عبر سمير جعجع الذي نجح في أن ينتقل عملياً من مرشح 14 آذار الى الناخب الأول في 14 آذار، وبالتالي فإن أي قرار داخل هذه القوى بدعم أي مرشح الى رئاسة الجمهورية لا يمكن أن اتخاذه من دون موافقة جعجع.
سادساً: لم يكن خفياً أن جانباً من الزيارة شكل ما يشبه التعويض المسبق لجعجع بعدما باتت واضحة استحالة وصوله الى القصر الرئاسي اللبناني. لكن جعجع غير المتمسّك بترشحه والباحث عن حلّ للانتخابات الرئاسية، عرف كيف يكون براغماتياً كعادته وخصوصاً أن مستقبله السياسي لا يزال أمامه.
سابعاً: شكلت استقبالات جعجع في الرياض الرسالة السلبية السعودية الأكثر تعبيراً الى العماد ميشال عون لناحية التأكيد على استحالة القبول به رئيساً، لا توافقياً ولا غير توافقي.
وأخيراً، وبعد عودة جعجع، على الجميع إعادة قراءة الصور والرسائل الواردة من السعودية، بدءأ بالأقربين الى جعجع قبل خصومه، ومفادها في اختصار أن طريق بعبدا تمرّ حكماً في معراب.
يبقى سؤال أساسي وهو هل يتقن جعجع “تسييل” نتائج زيارته ولقاءاته في السعودية لإعادة لمّ شمل قوى 14 آذار في الداخل اللبناني، بدءًا بمسيحيي هذه القوى تحديداً، من أجل إعادة الاعتبار للتيار السيادي عشية الذكرى العاشرة لـ”ثورة الأرز”، أم أن الانتخابات الرئاسية في لبنان ستفرّق “العشّاق” داخل الصف الواحد في ظل كثرة الطامحين؟