IMLebanon

قانون الإيجارات في مخاض وسط الجدال

RentLaw3
عدنان حمدان

إزاء ما يجري من جدال حاد بين أصحاب الأبنية القديمة، او المالكين القدامى، وبين المستأجرين القدامى، لا بد من إلقاء نظرة تاريخية على قوانين الإيجارات الصادرة حتى اليوم. فقد صدر أول قرار رقم 19 ل.ر. في هذا الإطار،عن المفوّض السامي الفرنسي في 26 كانون الثاني 1940، وأعطى المستأجر بشكل منفرد حق تمديد عقد الإيجار لمدة سنة. ثم تلاه القرار رقم 368 ل.ر، في 28 كانون الأول 1940، الذي مدد عقود الإيجار من دون الحاجة لأي إجراء. توالى بعد ذلك تمديد قانون الإيجارات بشقيه السكني وغير السكني، وإصدار قوانين معدّلة مرات عدة وبشكل دوري، كان آخرها القانون 160/1992 الناظم للإيجارات القديمة، والذي جرى تمديد العمل به أكثر من مرة، في موازاة قانون التعاقد الحر بالنسبة للإيجارات الجديدة.
في العام 1998 أقر قانون التعاقد الحر للإيجارات الجديدة، كخطوة اولى تأسيسية على طريق تحرير الإيجارات القديمة، حيث بات في البلد قانونان للإيجارات: قديمة وجديدة. منذ ذلك العام بدأت المخططات والتصورات توضع وتعدّ مشاريع القوانين من اجل تحقيق تلك الغاية.
تحرير كل العقود
تقدمت الحكومة في العام 2002 بمشروع قانون لتحرير كل العقود القديمة، وفق جدول زمني، مرفقاً بجدول تعويضات للإخلاء، الأمر الذي رفضه المستأجرون، بقيادة «لجنة الدفاع عن المستأجرين» برئاسة النقابي الياس الهبر. واستناداً الى ذلك المشروع، بادر رئيس «المؤسسة العامة للإسكان» أنطوان شمعون الى إدارة حوار غير مباشر بين المالكين والمستأجرين، على قاعدة محاولة التوصل إلى مشروع متكامل يقبل به الطرفان، مدخلاً لبحث مبدأ الإيجار التملكي، الذي كان قد صدر قانون مبدئي بشأنه. وبنتيجة ذلك الحوار توصل الجميع إلى مشروع مقبول مع بعض التحفظات حول ربط نفاذ القانون بصدور قرارات ومراسيم تطبيقية بالإيجار بخصوص الإيجار التملكي، من جهة، ورفع نسبة تعويض الإخلاء الى 35 و45 في المئة.
الإيجار التملكي
أحيل مشروع الإيجار التملكي الى لجنة الادارة والعدل النيابية (كان يرأسها النائب مخايل الضاهر)، وأنجزته بالتوافق برغم تحفظات المستأجرين، وأحيل الى الهيئة العامة لمجلس النواب، ثم اختفى وأصبح في خبر كان، إذ إنه لم يحظ بموافقة أصحاب النهج الاقتصادي المعتمد ما بعد الطائف.
بعد هذا المشروع، ولد مشروع تقدم به بهيج طبارة، الذي يتضمن تشجيعاً وحوافز للاتفاقات الرضائية بين المالك والمستأجر، حدد بدل الإخلاء بـ40 في المئة، إذا أخلى المستأجر، أو اشترى المأجور. وقد أصبحت هذه القاعدة، برغم عدم إقرار المشروع، هي المتبعة بين الطرفين من خلال عقد اتفاقات رضائية.
في العام 2010 أحالت الحكومة مشروع قانون الى مجلس النواب ينص على جدول تحرير عقود الإيجارات القديمة ويتضمن في متنه تعويضات. بعد إحالة المشروع الى لجنة الإدارة والعدل لدرسه وإعادته الى الهيئة العامة للمجلس النيابي، التي حددت موعداً نهائياً لإنجازه. وضع المشروع بكامله في أدراج اللجنة، وجرى تكليف النائب سمير الجسر، بناء لطلبه، إعداد مشروع آخر، تم التقدم به الى لجنة الادارة والعدل، وبات يعرف بمشروع سمير الجسر، وقد استوجب هذا المشروع نقاشاً في عشرات الجلسات، وأدخل عليه تعديل، بناء لاستشارة أنطوان شمعون، الذي أصبح اليوم مستشاراً لقروض الإسكان لدى احد المصارف الكبرى، والذي تقدم بفكرة الصندوق للتخفيف من وطأة البدلات المرتفعة للإيجارات القديمة، على ذوي الدخل المحدود، مما يعكس ان المشروع في مرحلة إعداده ومناقشته، كان الرأي النافذ لتوجهاته، يصدر عن اصحاب الرساميل والشركات العقارية التي تستهدف العقارات القديمة، خصوصاً في مدينة بيروت وضواحيها، وهذا الأمر لا يمكن الوصول إليه إلا عبر تحرير الأبنية المنشأة على تلك العقارات من شاغليها وغالبيتهم من المستأجرين القدامى.
قوانين استثنائية
على امتداد 20 عاماً كان المجلس النيابي يمدد القانون الاستثنائي 160/1992، الى أن انتهت تلك المهلة في 31/3/2012. مع الإشارة هنا الى ان القوانين الاستثنائية منذ 1940، تضمنت، وعلى الدوم، في الاسباب الموجبة لها، تعهداً بعدم إلغائها إلا بعد إنجاز خطة سكنية، تعالج أزمة السكن. إضافة إلى أن القوانين الاستثنائية نصت على ضمانات حماية حق السكن للمستأجر، ومنعت على المالك إلغاء عقد الإيجار إلا في حالتي الضرورة العائلية، أو للهدم وإعادة البناء وفق تعويض وصل الى نسبة 45 في المئة، كما نص القانون الاستثنائي الأخير 160/92، الامر الذي شكل عامل استقرار اجتماعي للمستأجرين، الذين يشكلون نسباً تصل الى 45 في المئة في بيروت و30 في المئة في الضواحي. من هنا كانت الاعتراضات التي واجهت القانون الجديد، وإطلاق عليه صفات: التهجير والتشريد وتهديد السلم الاجتماعي والعيش المشترك والفرز الطائفي والطبقي.
تطبيق القانون
بالنسبة للقانون الجديد، (الجاري ترميم بعض مواده)، أقر في الاول من نيسان بمادة وحيدة، وفي أقل من مرور شهر على نشره في الجريدة الرسمية، جرى الطعن به من قبل رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ومن قبل عشرة نواب، امام المجلس الدستوري، الذي رد الطعن، لأن القانون طُعن به قبل مهلة الشهر، ثم أعيد نشره، وتجدد الطعن به من قبل نواب. بعد ذلك صدر قرار المجلس الدستوري الذي تضمن إلغاء ثلاث مواد وهي: السابعة والثالثة عشرة والفقرة الرابعة من المادة 18، وهي المواد التي تشكل الآلية التطبيقية لهذا القانون، عندها اندلع السجال حول نفاذ القانون او عدمه.
في موازاة ذلك لم يبادر مجلس النواب الى استعادة القانون لإعادة مناقشته، او ترميمه، مما أبقى على حالة التوتر السائدة بين المالكين الذين يعتبرون ان القانون الذي بات بحوزتهم (ناقصاً المواد المبطلة من قبل المجلس الدستوري) يشكل إنجازاً.
تاريخياً، وهم غير مستعدين الى أي شكل من التنازل للحوار حوله، مصرين على أن تاريخ تطبيقه يبدأ في 28 كانون الأول الجاري، في إطار وجهة جعل نفاذ القانون أمراً واقعاً.
دور المجلس النيابي
في المقابل، يرى المستأجرون أن تطبيق هذا القانون في وضعه الراهن يشكل تجاوزاً لدور المجلس النيابي المعني بإعادة مناقشته وإصداره مجدداً. كما يشكل معضلة كبرى تُرمى بوجه القضاء الذي سيجد نفسه امام تحدي البت بآلاف النزاعات بين طرفين، من دون ان يكون بحوزته مرجعاً قانونياً يستند اليه، ويجعله يبحث عن مراجع قانونية أخرى، لن تكون متناسبة مع طبيعة المشكلات التي أوجدها هذا القانون، مما يزيد في الطين بلة، علماً أن هيئة التشريع والقضايا أصدرت رأياً واضحاً لا لبس فيه يقضي باستحالة تطبيق القانون في وضعه الراهن.
يبقى السؤال: ما سيفعل المالكون بعد 28 كانون الأول، وكيف سيتصرف المستأجرون؟ وأي موقف للمجلس النيابي، وهو المعني المباشر بالتشريع العادل، بشكل ينصف المستأجر ويرفع الغبن عن المالك القديم.