تتعاظم المخاوف في بيروت، من الرياح الساخنة التي تهبّ من الشرق، في ضوء التوقعات المتزايدة بانفجار الصراع في منطقة القلمون بين “الجيش السوري الحر” و”داعش”، وهو الأمر الذي قد يحوّل التنظيم في المستقبل الى خطر حقيقي على “بلاد الارز”، خصوصاً في ضوء سعيه الى التمدُّد الدائم.
ورأى متابعون لمجريات الصراع في القلمون، ان المعركة ستؤثّر على المسار المستقبلي في لبنان، لأن من الواضح ان “الدولة الاسلامية” آخذة في التمدُّد وقادرة على اختراق الواقع اللبناني، مشيرين الى ان المعركة تدور على اكثر من جبهة، فهي لا تقتصر على الحدود اللبنانية – السورية بل تمتدّ الى درعا ايضاً على حدود سوريا مع الأردن واسرائيل.
ولفت هؤلاء الى ان الصراع بين الطرفيْن (داعش والجيش الحر) ليس جديداً ايضاً. ففي الأعوام الماضية من الحرب السورية كان “الجيش الحر” الهدف المفضّل للنظام السوري و”الدولة الاسلامية” على حدّ سواء، بسبب ارتباطاته الخارجية وتسليحه من الولايات المتحدة، وهو ما أُعلن صراحةً اخيراً، عندما جرى الحديث عن الحاجة الى إنشاء جيش يتراوح عدده بين 5 آلاف و 15 الف عسكري لمحاربة النظام و”داعش”.
وتحدّث خبراء في شؤون الحركات الجهادية، عن ان من الطبيعي ان يحاول “داعش” في إطار سياسته وخرائطه الجغرافية القضاء على “الجيش السوري الحرّ” اينما وُجد، لكن مثل هذه المعركة كانت مؤجلة في القلمون، بسبب وجود عدو مشترك للطرفين، ونتيجة لطبيعة الأرض القاسية.
وشرح هؤلاء ان الفصائل السورية المقاتلة وجدت نفسها وجهاً لوجه مع “حزب الله” والجيش السوري فتهادنت فيما بينها، وزاد من تعايشها “جنرال الثلج” الذي يفرض على الجميع تمرير الوقت تحت وطأة المناخ البالغ القسوة في جغرافيا وعرة وتضاريس صعبة للغاية.
غير ان مصادر على معرفة بتطورات الوضع الميداني في القلمون، كشفت عن انه مع وصول الدعم اللازم من الرقة الى “داعش” في القلمون وجرود عرسال، بدأ بالتحرك للقضاء على أعدائه الذين تربطهم علاقة بالغرب (على غرار معركة كوباني ضد الكرد)، لاعتقاد هذا التنظيم ان المعركة باتت ضرورية.
وأوضحت المصادر ان “داعش” يعتبر ان الغرب أفشلَ مشروعه من خلال جذبه (اي الغرب) للمملكة العربية السعودية والاردن والامارات والبحرين الى نادي دول التحالف للقضاء على “الدولة الاسلامية” في العراق وسوريا، وذلك عبر إسقاط مقولتيْ الحرب الصليبية والحرب السنية – الشيعية.
وكشفت “الراي” ان “جبهة النصرة” تدعم قلباً وقالباً المعارضة ضدّ “داعش”، لكنها لا تريد البدء بالمواجهة العسكرية لسببيْن، اوّلهما عدم وجود ايّ سابقة بانتقال “داعشيين” الى “النصرة”، بل العكس هو الصحيح، ولذلك فإن الأخيرة تتجنب المواجهة تفادياً لخسارة الكثير من مقاتليها بانضمامهم الى “الدولة الاسلامية” بعدما كانت جرت انشقاقات في هذا السياق، من بينها نقل القيادي عماد جمعة البارودة من كتف “النصرة” الى كتف “داعش”، وثانيهما ان الجبهة كانت قضت على “جبهة ثوار سوريا” في جبل الزاوية في ريف ادلب (مقر جمال معروف) وأخذت العتاد والرجال، وهي تتمدّد في درعا وتشتبك مع لواء شهداء اليرموك. ورغم انها استطاعت فرض نفسها، الا انها لم تحسم الأمر لمصلحتها بعد.
واشارت المصادر الى انه في حال نجحت “جبهة النصرة” في كسب المعركة في درعا، فان (مسؤولها في القلمون) ابو مالك التلي، سيحصل على الدعم اللازم لمحاربة “داعش”، اللهمّ الا اذا اغتيل او غُلب على أمره او انضمّ هو الآخر الى “الدولة الاسلامية” لوأد الفتنة، ما يعني سيطرة “داعش” على القلمون وبدئه معركة لبنان.
ولفتت المصادر عيْنها، الى ان الأحداث أكدت اعتقاد البعض ان جماعة عبد الله عزام على ارتباط بـ “داعش” و”النصرة”، مشيرة الى ان زعيم هذه الجماعة سراج الدين زريقات، حسم امره اخيراً لمصلحة علاقته بـ”داعش”، ما يعني ان لـ “الدولة الاسلامية” موطئ قدم خطيراً وفاعلاً في لبنان، فـ “داعش” لن ينطلق من الصفر او من فراغ، بل له مقوّمات في مناطق عدة يمكنه الاستناد اليها، وهو يتحرّق شوقاً للقيام بعمليات عسكرية كما تمليها عقيدته في “ادارة التوحش”، وهو عنوان كتاب هذه الجماعة التي تسعى الى إثارة الفوضى وزرع الخوف وعدم الأمان في المجتمع الذي تدخله من دون أي أهداف استراتيجية.
وتحدّثت المصادر عن انه في لبنان، لن تكون الفئات المسيحية هي المستهدَفة بالضرورة، لكونها مغلوب على أمرها وسهلة الرضوخ، انما الهدف الأهمّ هو الجيش اللبناني، إضافة الى “الاعتدال السني” الذي يستطيع جذب اهتمام الغرب وطائراته ومخابراته، ومن بعده يأتي “حزب الله” الذي يملك قوة على الأرض، ويعتبره “داعش” الخطر الذي يجب ازالته كلياً من دون مهادنة.