Site icon IMLebanon

حين يصل الاقتصاديون إلى إجماع يجب الشعور بالقلق

Econ4
جيمس ماكينتوش

اقترح رونالد ريجان ذات مرة نسخة اقتصادية من لعبة “أسئلة عامة”، تشتمل على 100 سؤال وثلاثة آلاف جواب. أي شخص يتلقى الأبحاث الاقتصادية من المصارف معتاد على فكرة أنك إذا سألت ثلاثة اقتصاديين سؤالا واحدا فإنك تتلقى خمسة أجوبة مختلفة.

مع ذلك هناك شيء مثير للاهتمام يحدث الآن في التوقعات الاقتصادية، وهو أنها تتفق فيما بينها. توقعات النمو في الولايات المتحدة في السنة المقبلة تقع في نطاق ضيق من الاختلافات لم نشهد له مثيلا منذ أن بدأت مؤسسة Consensus Economics باستطلاع آراء الاقتصاديين عام 1989.

بطبيعة الحال هذه التوقعات لديها سجل بائس. فالاقتصاد نظام معقد للغاية على نحو يجعل من غير الممكن أن نتنبأ به بصورة دقيقة باستخدام أدوات تبسيطية من هذا القبيل، ومن الصعب حتى أن نعرف ما حدث في السنة الماضية، ناهيك عن السنة المقبلة. ولأن أشهر النماذج الاقتصادية لا تزيد شيئا على كونها طرقا لأخذ متوسط ما قبل سنة أو سنتين مع الاتجاه طويل الأمد – وفي الوقت نفسه تجاهل النظام المصرفي المهم للغاية – فليس من المستغرب أن النتائج الفعلية لا توجد بينها علاقة تذكر مع التوقعات.

مع ذلك التوقعات لها قيمتها. فهي تنبئنا عن تفكير الناس، وفي الوقت الحاضر الناس جميعا يفكرون بالطريقة نفسها. الفجوة بين أعلى التوقعات وأدناها بالنسبة للنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة في السنة المقبلة هي 1.02 في المائة، حيث الجميع يتمحور حول نسبة 3 في المائة (الإجماع). ما يؤكد ذلك هو أن سايمون سمايلز، كبير الإداريين الاستثماريين العالمي في قسم الثروات الضخمة لدى بنك يو بي إس، يشير إلى أن اثنين فقط من علماء الاقتصاد الـ 87 الذين استطلعت “بلومبيرج” آراءهم يتوقعون أن يكون نمو الاقتصاد الأمريكي أقل من 2.5 في المائة (آخر مرة سجلت فيها الولايات المتحدة نموا أسرع، بصورة يسيرة، كانت في 2010).

لم يسبق أن اتفق الاقتصاديون بهذه الدرجة المتقاربة بخصوص توقعاتهم في نهاية العام إلا في مناسبات ثلاث: في نهاية عام 1999 و2006 والسنة الماضية.

في 1999 و2006 كانت توقعات الاقتصاديين خاطئة بصورة مذهلة. لكنهم اتفقوا لأنهم كانوا جميعا يتوقعون استمرار الطفرات التي كانت في سبيلها إلى الانتهاء في الركود. هذه السنة لم تكن على هذه الدرجة من السوء، لكن التوقعات بخصوص نمو الاقتصاد الأمريكي عن عام 2014 تقلصت بصورة حادة إلى 2.2 في المائة، في حين أن اليابان تراجعت في ركود مفاجئ، وأصيبت أوروبا بالجمود.

في منطقة اليورو، التوقعات حتى أكثر تقاربا مما هي في الولايات المتحدة، حيث إن نطاق الاختلاف يبلغ 0.8 في المائة حول الإجماع البالغ 1.1 في المائة. وبالنسبة لتوقعات اليابان فقد توسعت إلى حد ما، وكان الاتفاق حولها في نيسان (أبريل) أكبر من أية مرة في التاريخ تقريبا، في الوقت الذي كانت تنزلق فيه اليابان، على غير علم منهم، في الركود.

إن كون الاقتصاديين جميعا يقولون إن شيئا ما سوف يحدث لا يضمن أنه لن يحدث. لكن مرة أخرى، خيبة الأمل في الرهانات على النمو تبين أنها تنبؤية في مطلع هذه العام، في الوقت الذي تبخر فيه الأمل لدى المستثمرين الذين تجمعوا في رهانات ضد السندات الحكومية طويلة الأجل. ذلك أن سندات الخزانة الأمريكية لأجل 30 سنة سجلت عوائد بنسبة 27 في المائة، ما يجعلها واحدة من أفضل الأصول أداء في العالم.

تفوق أداء السندات هذا العام لم يكن فقط متعلقا بأداء عام 2014، وإنما بالنمو العالمي الضعيف وتخفيض التوقعات بخصوص النمو طويل الأجل (بالنسبة للنمو الكامن، حيث التوقعات دائما أقل موثوقية).

مع ذلك، نطاق الاتفاق حول السنة المقبلة يجد صورة له في الأسواق، حيث المستثمرين يراهنون على ضعف اليورو والين وقوة الدولار. كذلك غيروا الطريقة التي يقيمون بها رهاناتهم: تحول الدولار من كونه ملاذا آمنا، إلى كنز المال في أيام الابتعاد عن المخاطر، إلى عملة نمو للشراء حين يشعر الشخص بالانتعاش.

ما الذي يمكن أن يصاب بالاختلال؟ بصراحة، كل شيء. المشكلة في الاقتصادات هي أنها لا تمتلك الزخم. الصلة بين النمو في سنة معينة والسنة التي تليها واهية إلى درجة أنها لا معنى لها. في العادة لا يدرك الاقتصاديون حتى أن الركود قد بدأ (ليقلصوا توقعاتهم) إلا بعد أن يكون قد قطع شوطا لا بأس به.

بالتالي، في حين أن جميع المؤشرات والمقاييس تشير إلى أن السوق على حق حين تراهن على الاقتصاد الأمريكي القوي، وعلى التضخم المنخفض، ونوبات الخوف من الانكماش في أوروبا، وبالتالي تراهن على الدولار القوي، إلا أن نطاق هذه الرهانات يبعث على القلق.

خذ مثلا الفكرة التالية: من كانون الثاني (يناير) حتى كانون الأول (ديسمبر) هذا العام، قلص الاقتصاديون توقعاتهم بخصوص النمو في منطقة اليورو في السنة المقبلة بمعدل 0.3 نقطة مئوية إلى 1.1 في المائة. ولو أن هذا انعكس فقط في السنة القادمة، فإن أداء اليورو والتضخم والأسهم يفترض أن يكون أفضل بكثير مما يتوقعه المستثمرون. وإذا ارتفع بنسبة 0.7 في المائة – متوسط التغير في التوقع عن النمو في السنة المقبلة – ليصل إلى 1.8 في المائة، فإن منطقة اليورو ستمر في طفرة اقتصادية، على الأقل بمعايير أوروبا.

لا تعتبر أية فكرة من هذه الأفكار توقعا. ربما يتبين أن رهان الدولار صحيح، لكن الماضي يبين أنه يجدر بالمستثمرين أن يتواضعوا بخصوص قدرتهم على توقع أداء الاقتصادات. إن نطاق التجمهر حول الدولار يشير إلى أن كثيرا منهم ينسون هذا الدرس.