ربما كانت القمة السنوية الخامسة والثلاثين لـ «مجلس التعاون الخليجي» التي انعقدت في 10 كانون الأول/ ديسمبر في قطر، الاجتماع الأكثر فعالية الذي عُقد حتى الآن لدول «المجلس». فمع وضع الشقاق الدبلوماسي الحاصل بين قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين جانباً بشكلٍ مؤقت قبل أكثر من ثلاثة أسابيع، استضاف الأمير تميم بن حمد آل ثاني حاكمَي الكويت والبحرين، فضلاً عن كبار الممثلين لقادة السعودية ودولة الإمارات وسلطنة عُمان الذين يعانون حالياً من مشاكل صحية.
وقد قُصد من الاجتماع أن يكون موجزاً، حيث وصلت الوفود إلى الدوحة وغادرتها في اليوم نفسه. وقد ساعدت الرسالة الموحدة لمكافحة الإرهاب – عبر دعم الحكم العسكري في مصر – على ترسيخ إعادة انضمام قطر إلى الأخُوّة التي تجمع أنظمة الخليج الملكية، بينما تُركت المسائل الأكثر إلحاحاً مثل التكامل الاقتصادي وإصلاح سوق العمل والإصلاح السياسي بعيداً عن جدول الأعمال.
ونظراً إلى أنّ «مجلس التعاون الخليجي» يُعَدّ منظمةً إقليمية حديثة نسبياً، فهو يعاني من مشاكله الخاصة في ما يخصّ التنسيق بين السياسات، ويمكن فهم بعض هذه المشاكل من خلال النظر إلى السياق التاريخي. ففي حالة الاتحاد الأوروبي مثلاً، بدأ التنسيق التدريجي للمسائل التجارية في عام 1957، فيما استغرقت الدول الأعضاء أكثر من ثلاثين عاماً لإدراج سياسة الهجرة والسياسة النقدية والتمثيل البرلماني المشترك في قوانينها؛ إلاّ أنّ التعاون الأمني والعسكري الواسع النطاق لم يظهر إلاّ في الآونة الأخيرة.
ومع ذلك، وبينما تستمر التنمية الاقتصادية المحلية بالمضي قدماً بسرعة البرق، يبدو أن قيادات دول «مجلس التعاون الخليجي» تستنظر أن يتقدّم التنسيق الإقليمي بالسرعة نفسها. غير أنّ مسألة الوحدة النقدية لا تحرز أي تقدم، وتشهد مسألة التكامل الاقتصادي تقدماً مجزءاً بينما يتسم التقدم على صعيد التجارة الإقليمية بالضعف. بالإضافة إلى ذلك، تميل اقتصادات «مجلس التعاون الخليجي» إلى نسخ المؤسسات ونماذج الأعمال الأخرى بدلاً من تبسيطها وزيادة كفاءتها. كما أنّه من الصعب تطبيق أي اتفاق حول المسائل الأمنية، لا سيما أنّ الدول الأعضاء تختلف حول الأمور العملية المتعلقة بالدولة التي قد تستضيف الكيانات التعاونية وما الذي ينطوي عليه الأمن الجماعي. أما الهدف الأساسي لهذه الدول، فهو ضمان استمرارية الأنظمة المكلية القبلية السنية.
وكما يعرف الغرب جيداً، إنّ مكافحة الإرهاب يمكن أن تكون أداة سياسية مفيدة في توسيع الرقابة الحكومية وزيادة الإنفاق على الدفاع وتضييق الخناق على الخلاف السياسي حول مواضيع أخرى. وقد سعت قيادات دول «مجلس التعاون الخليجي» – عبر تحديد جماعة «الإخوان المسلمين» على أنّها العقبة الرئيسية أمام الاستقرار الإقليمي – إلى تركيز انتباه الرأي العام بعيداً عن السياسات الداخلية للخليج. وبفعلها ذلك، خلقت روايةً تعمل على موازنة المنافسةً السياسيةً مع الانكماش الاقتصادي. وفي تقرير “التنافسية العالمي” للعامين 2014-2015 الصادر عن “المنتدى الاقتصادي العالمي”، احتلت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر المراتب الثلاثة الأولى من حيث الاقتصادات “التنافسية” في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبالمثل، فإن بيانات “البنك الدولي” لعام 2013 قد صنفت السعودية ودولة الإمارات على أنّهما أفضل اقتصادين عربيين من حيث الناتج المحلي الإجمالي. وفي حين أن اقتصاد قطر ما زال يندرج وراء اقتصادات إيران ومصر والعراق من حيث الحجم، إلاّ أنّه بانفتاحه وإمكانيات نموّه يتفوق بسهولة على البلدان الأخرى نظراً إلى الاضطرابات السياسية التي تعاني منها هذه الدول الأخيرة.
كما أنّ استهداف جماعة «الإخوان المسلمين»، وبالتالي الإسلام السياسي باعتباره المعارضة المتطرفة، يسمح لدول الخليج أيضاً بتقليص حدة الخطابات الموجهة ضد إيران، وتصعيد قمع أي آراء معارضة داخلية، وتوليد منطق التدخل في المنطقة الأوسع نطاقاً. كذلك، يرسم «مجلس التعاون الخليجي» خريطة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن نطاق نفوذه، مقيماً بذلك تهديداً مشتركاً يقبله الغرب، الأمر الذي يسهّل بالتالي توسيع القواعد العسكرية والروابط الأمنية الغربية في الخليج. على سبيل المثال، تزامن اجتماع الدوحة مع الإعلان عن توسيع كبير للقوات البحرية البريطانية المتمركزة في البحرين، فضلاً عن زيادة في التدريب العسكري المدعوم من الغرب للمعارضة السورية في قطر والمملكة العربية السعودية.
إنّ الالتزام الرسمي لـ «مجلس التعاون الخليجي» بإنشاء مركز جديد مشترك في أبوظبي لتدريب الشرطة على مكافحة الإرهاب هو خطوة أقل من أن يطلق عليها لقب جيش إقليمي، وهو أمر لا تقبله سلطنة عُمان. وقد تم الإعلان عن خطط إنشاء قوة بحرية مشتركة خلال مؤتمر القمة، غير أنّ هذه الخطط افتقرت إلى تفاصيل واضحة. وقد عملت الشرطة والقوات شبه العسكرية كأدوات للتدخل في الدول الأعضاء الزميلة في الماضي، وأبرزها “قوات درع الجزيرة” في البحرين في عام 2011. وتُركز حكومات «مجلس التعاون الخليجي»، وخاصة في الرياض وأبو ظبي، على تعزيز قدرتها على احتواء التهديدات الداخلية بينما تروّج لقلقها كمشكلة سياسات خارجية إقليمية.
ومع ذلك، تواجه دول الخليج عدداً من التحديات التي قد يكون من الصعب حلها جماعياً من دون بلورة هوية سياسية خليجية أكثر تماسكاً تكون شاملة لكافة دول «مجلس التعاون الخليجي». وإحدى هذه التحديات هي اختلال التوازن الديموغرافي بين أعداد العمال الأجانب الوافدين والعمال المواطنين (وهو الأشد تطرفاً في قطر والإمارات العربية المتحدة التي تكاد تناهز أعداد الأجانب/غير المواطنين فيها 90 في المائة من السكان). وقد أدى نظام “الكفالة” الذي يربط العمال الوافدين بأرباب العمل إلى إعاقة تكوين رأس المال البشري وقابلية التنقل ضمن هذا الأخير.
كما أنّ انعدام التكامل في التجارة وإدارة الشؤون المالية والتواصل يعرقل النمو أيضاً. وفي دراسة أجرتها شركة “ماكينزي” في نيسان/أبريل 2014 حول الاتصال الاقتصادي، تبيّن أن دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل متأخرة عن سائر الدول من حيث تدفق البيانات والاتصالات التي تسهل التجارة والنمو، باستثناء دبي بفضل مزيج من الموانئ البحرية والمطارات وتكنولوجيا الاتصالات المتوفرة فيها. وبالمثل، توصل تقرير أصدره ستيفن هيرتوغ و “مركز الخليج للأبحاث” في أيلول/سبتمبر إلى أنّ لدى «مجلس التعاون الخليجي» سجل سيء من التجارة البينية التي تشكل 8 في المائة فقط من إجمالي التبادل التجاري بين دوله. فاقتصادات دول «مجلس التعاون الخليجي» لا تنسّق تصنيعها ولا تتشارك سلاسل القيمة المعقدة. بالإضافة إلى ذلك، أنّ هياكلها المؤسسية المعنية بإدارة الشؤون المالية تفتقر إلى التكامل، الأمر الذي يشجع بصورة أكثر على إنشاء مناطق مالية مقلدة تختلف فيها قواعد التأسيس والإعسار وتسوية الخلافات والنزاعات.
ويقيناً، أنّ الاختلافات بين دول «مجلس التعاون الخليجي» مهمة، وتعكس التفاوتات في السياسات الداخلية والهياكل الاقتصادية؛ وهذه الاختلافات لن تزول. ومع ذلك، توصلت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، والبحرين إلى حد ما، إلى توافق جوهري مفاده أنّ سياسة المعارضة تساوي الإرهاب. غير أنّ ذلك ليس بخبرٍ سار بالنسبة للشركاء الغربيين، وخاصة الولايات المتحدة.