انيس ديوب
كشفت دراسة أجرتها شركة ميرسر الشرق الأوسط أن الشركات والمؤسسات التجارية في منطقة الشرق الأوسط تفشل في إعداد المهنيين بالمهارات اللازمة لتولي مناصب قيادية.
وكشف الاستطلاع الذي قامت به ميرسر الشرق الأوسط المتخصصة باستشارات الموارد البشرية أن الشركات في المنطقة تكافح من أجل إبراز قادة المستقبل، لكنها تفتقر إلى الكوادر القوية المواطنة لتملئة مخزون التعاقب القيادي ، ما يعني أنه من المرجح لهذا الوضع أن يؤدي إلى مواصلة الاعتماد على الوافدين لتولي الأدوار القيادية على مدى السنوات العديدة القادمة.
وقال خالد التركي، إستشاري رئيسي لدى ميرسر الشرق الأوسط: “كان الغرض الأساسي من هذه الدراسة التي قامت بها ميرسر الشرق الأوسط الحصول على نظرة معمقة إزاء الحالة الراهنة لاستراتيجية القيادة، وتقييم وتطويرالقياديين وإدارة تعاقب كبار الموظفين في منطقة الشرق الأوسط. كما حددت هذه الدراسة أوجه القصور الخطيرة في هذا الجانب من عمليات الشركات الإقليمية. ويعني هذا وفق أفضل السيناريوهات الحاجة المتواصلة لملء المناصب العليا من غير المواطنين. وفي أسوأ الحالات، يعني ذلك وجود فراغ على مستوى المناصب القيادية في المستقبل، الأمر الذي قد تكون له تداعيات خطيرة على النمو الاقتصادي في المنطقة”.
وكشف تقرير دراسة ممارسات تطوير القيادات الذي أعدته ميرسر الشرق الأوسط عن العديد من النتائج المهمة. ومن بين جميع الشركات التي تم التواصل معها، فقد تبين أن نصفها فقط يطبق استراتيجية محددة ومتفق عليها لتطوير المهارات القيادية، أي بنسبة أقل من الشركات في آسيا ، وبنسبة أقل بكثير من الشركات في أمريكا اللاتينية. وذكر 62 في المئة من كبار المسؤولين التنفيذيين أنهم يقضون 10 في المئة أو أقل من وقتهم في تطوير القيادات الحالية والمستقبلية، كما تبين أن 10 في المئة منهم فقط يقضون أقل من 20 في المئة من وقتهم على هذا النشاط. ويقوم ما نسبته 58 في المئة فقط من الشركات المشاركة في الاستطلاع بتقديم المكافآت المناسبة أو فرص التطوير للمواهب الضرورية أو المهمة للغاية، علماً بأن 81 في المئة من الشركات في آسيا وأمريكا اللاتينية تتيح للمواهب فرص تطويرية خاصة.
وأضاف التركي: “على الرغم من أن نصف الشركات التي شملها استطلاعنا توظف استراتيجيات تطوير المهارات القيادية، إلا أنها ترى في الوقت ذاته بأنه لايوجد على الإطلاق شعور التركيز الملح في توجيه موارد جديدة والإهتمام اللازم بهذا الشأن. وتعتبر قلة الوقت المستغل لتطوير المهارات القيادية بالإضافة إلى نقص الموارد وضعف التركيز على رعاية المواهب المستقبلية من أهم العوائق في المنطقة لتطوير المهارات القيادية.
أما بالنسبة إلى تلك الشركات في المنطقة التي تمتلك برامج قيادة، يبدو أن العديد منها لا تعتمد على الوسائل الأكثر فاعلية، حيث يكون التدريب داخل الفصول الدراسية الشكل الأكثر شيوعاً الذي تستخدمه هذه الشركات للتطوير المهني، علماً بأنه يعدّ أقل فاعلية عند مقارنته بالعديد من الأساليب المستخدمة على نطاق أضيق. وترى الشركات أن هناك طرقاً أكثر فعالية، ومنها المهمات الخارجية وفرص التطوير المليئة بالتحدي والحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال أو برامج الدراسة الجامعية الأخرى، علماً بأن هذه الطرق تستخدم فقط بنسبة 29 في المئة و 46 في المئة و 11 في المائة من الشركات على التوالي.
وعندما يتعلق الأمر بالإنفاق على تطوير المهارات القيادية، فقد ظهر أن الشركات في المنطقة تنفق أقل بكثير من نظرائها في الأسواق الناضجة. وتبين البحوث أن الشركات الأمريكية التي تطبق برامج تطوير المهارات القيادية تنفق مبلغاً قدره 12,400 دولاراً للشخص الواحد على هذا النشاط سنوياً. وعلى النقيض من ذلك تماماً، تبين أن ما نسبته 29 في المئة فقط من الشركات في منطقة الشرق الأوسط تنفق 10 آلاف دولار أو أكثر للشخص الواحد سنوياً لتدريب وتطوير قياداتها العالمية، في حين أن 35 في المئة من الشركات تنفق أقل من 500 دولار أمريكي.
وقال التركي أيضاً: “كشف استطلاعنا أن الأمر بالنسبة إلى شركات الشرق الأوسط لا يقتصر على تدني الإنفاق مقارنة مع نظيراتها في الأسواق الناضجة، لكن المبالغ التي تنفقها على التدريب والتطوير للشخص الواحد يتدنى مع كل درجة نزولاً على مستوى القيادة. ومن بين الشركات التي تواصلنا معها، قال ما نسبته 13 في المئة من الشركات فقط تعترف بأن المبالغ المالية المستثمرة لتطوير الكوادر القيادية غير كافية وتشكل عائقاً أمام تحقيق أهدافها الإنمائية. ، الأمر الذي قد يشير إلى أن هذه الشركات لا ترى قيمة في الإنفاق على تطوير المهارات القيادية”.
ومن بين الحقائق المدهشة التي توصل إليها تقرير ميرسر الشرق الأوسط قلة أعداد القيادات النسائية في الشرق الأوسط، إذ تبين أن ربع المؤسسات تفتقر للقيادات النسائية بين أعلى 100 منصب على السلم الوظيفي، في حين تستحوذ القيادات النسائية على أكثر من 30 في المئة من المناصب العليا في 4 في المئة فقط من الشركات. ومن بين المشاكل الرئيسية التي تسهم في ذلك، قلة التركيز على تطوير هذه الشريحة، في الوقت الذي يتم فيه تطبيق استراتيجية للتنوع لدى 23 في المئة من الشركات لتطوير القيادات النسائية.
وأضاف التركي: “من بين تلك الشركات المشمولة في الدراسة والتي اعترفت بوجود عوائق للنهوض بواقع القيادات النسائية، فإن نسبة كبيرة منها تعزو ذلك إلى الثقافة التنظيمية التي لا تدعم التوازن بين الحياة العملية والحياة الإجتماعية. أما الأسباب الأخرى التي تمت الإشارة إليها في التقرير فكانت، نقص الاستثمار في تطوير النساء، فضلاً عن أن المدراء لا يرغبون في ترقية مرشحين غير تقليديين. وتلقي الشركات باللوم أيضاً على العملاء الذين لا يمنحون ثقتهم للمرأة، ناهيك عن استبعاد المرأة من الشبكات غير الرسمية”.
وبناء على نتائج التقرير، يكون لزاماً على الشركات في الشرق الأوسط العمل على إعادة تقييم ممارساتها المتعلقة بتطوير المهارات القيادية والتغلب على المعوقات الرئيسية التي تعمل على إبطاء الجهود الهادفة إلى تواصل توفير إمدادات القيادات. وقال التركي إن الشركات في الشرق الأوسط ستواصل الاعتماد بشكل كبير على الوافدين لشغل الأدوار القيادية العليا حتى تدخل هذه التغييرات حيز التنفيذ، وستبقى في مواجهة مع التحديات الكبيرة ذات الصلة بتعاقب القيادات، ما سيؤدي إلى خسارتها لفرص النمو التي يمكن للقيادة القوية المساعدة على تحديدها وتحقيقها في آن واحد.