وائل يوسف
تنتهج روسيا سياسة ترويجية جديدة تعتمد التوجه نحو الشرق لمواجهة العقوبات الغربية عليها، حيث بدأت في إطلاق رسائل واضحة تقوم على مد الجسور الاقتصادية نحو آسيا والدول الخليجية سعياً منها لاستقطاب رؤوس الأموال لتعويض ما تبخر من الاحتياطيات النقدية وللحصول على التكنولوجيا التي حرمت منها بعد انسحاب شركات نفط غربية من مشاريع استكشاف في سيبيريا وبحر الشمال ما يحتم على الدب الروسي البحث عن تقنيات للاستمرار بالمشاريع الحيوية وخصوصاً في مجال الطاقة التي تعيش عليها أكبر دولة بالعالم مساحةً.
رسائل سياسية
في شتاء موسكو البارد تختلط السياسة بالاقتصاد ليتحول منتدى موسكو العمراني 2014 إلى رسالة سياسية للغرب تفيد بأن روسيا تستطيع الاستغناء عنه حيث تراهن على كسب ود المستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي لتمويل مشاريع عقارية على المدى المتوسط مساحتها 180 مليون متر مربع حسبما قال مارات خاسنولين نائب عمدة موسكو لشؤون سياسة التخطيط العمراني والبناء خلال الدورة الرابعة من المنتدى الذي اختتم الأحد الماضي وحمل شعار «قياديو تنمية المدن» بمشاركة غربية أكاديمية رمزية وحضور قوي لآسيا والصين..
وبرعاية من حكومة سنغافورة ومشاركة 26 دولة يترأسها عمداء أكثر من 25 مدينة ووزراء تخطيط عمراني.
وقال خاسنولين إن العاصمة موسكو تخضع لعملية تطوير تمتد عشرين عاماً وتكلف 200 مليار دولار نافياً أي تأثير على الاقتصاد الروسي ومشاريع تطوير موسكو، معتبراً أن العقوبات «لا تؤثر على خططنا على الإطلاق ونحن ننفذ مشروعاتنا دون الالتفات إليها»
تجربة دبي
وأشار المسؤول الروسي إلى الاستفادة من التجارب العالمية وخاصة دبي التي نجحت بتحقيق نقلة نوعية على صعد التطوير العمراني والتنويع الاقتصادي وعدم الاعتماد على النفط كمصدر للدخل. ومن أصل إجمالي التبادلات التجارية بين روسيا ودول الخليج والبالغة 3.7 مليارات دولار 2013 استحوذت الإمارات على 67 % منها حيث تعتبر الشريك التجاري الأهم لروسيا من بين دول المجلس.
وأكد نائب عمدة موسكو رغبة العاصمة باستقطاب المستثمرين الخليجيين والإماراتيين وعزمهم إرسال وفد إلى الإمارات العام القادم، لتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية المختلفة.
ويبلغ عدد الشركات الروسية في الإمارات 450 شركة بما فيها المشتركة في مختلف القطاعات على رأسها الفندقة والسياحة والمواصلات وقطاعات أخرى كما وافتتحت شركات روسية حوالي 40 مكتباً لتمثيلها في الإمارات وبلغ حجم الاستثمارات الإماراتية في روسيا أكثر من 18 مليار دولار.
وأكد نائب عمدة موسكو رغبة العاصمة بجلب الاستثمارات إلى قطاعات البنية التحتية لنظام النقل وتطوير مركز العاصمة ومشروع نهر موسكو والمناطق الصناعية التي تمتد حالياً على مساحة 18 ألف هكتار يمكن أن تستوعب أربعة آلاف هكتار مشاريع للسكك الحديدية..
حيث ستمنح بلدية موسكو خلال الفترة القادمة الممتدة من 5-10 سنوات موافقات لبناء 180 مليون متر مربع من العقارات ستمولها عن طريق صناديق التمويل الحكومية الروسية والمستثمرين الروس إضافة إلى مستثمرين من دول مجلس التعاون الخليجي ومناطق جغرافية أخرى.
تمويل المشروعات
ولا تسمح الروح الوطنية الروسية المتصاعدة بالاعتراف بمشكلات تمويلية أو الظهور بموقف الاستجداء للاستثمارات حيث قال خاسنولين إن روسيا ستمول 80 % من مشروع تطوير منطقة نهر موسكو، الذي يكتمل إنجازه في العام 2017 بكلفة تصل إلى 30 مليار دولار مشيراً إلى استعدادات لتوفير مناخ استثماري ملائم..
لكن بيانات صحفية لاحقة تحدثت عن فتح باب الحوار لإبرام شراكات بين بلدية موسكو والمستثمرين بحيث تكون حصة القطاع الخاص حوالي 35-50 % من إجمالي تمويل ميزانيةِ هذا المشروع الذي يهدفُ لإعادة إعمار 10 آلاف هكتار.
مسابقة التصميم
وربما لم تكن مصادفة أن فاز بمسابقة تصميم المشروع ائتلاف دولي برئاسة شركة «بروجيكت ميجانوم» الروسية فيما حلت شركة «تورينسكيب» الصينية بالمرتبة الثانية إذ قد يتم اعتماد بعض الحلول التي قدمتها الشركة ضمن المفهوم النهائي للمشروع حيث ستطال عملية التجديد المتنزهات والمساحات العامة ..
وقد تم تحديد مناطق خاصة على امتداد النهر لتكون بمثابة مراكز ثقافية واجتماعية لمشروع تطوير ضفاف النهر وستتضح المعالم الأولى للمشروع بحلول الربيع المقبل، وتبعاً لتقديرات السلطات المحلية، سيصبح نهر موسكو بحلول 2035 واحــداً من أنشط المراكز الحيوية للعاصمة.
وكجزء من مشروع تطوير الواجهة المائية لنهر موسكو تم بدء العمل بإعادة تطوير مطار توشينو، ومنطقة مركز «روبليوفو أرخانجلسكوي» المالي العالمي وجسور نهر موسكو على امتداد العاصمة وأيضاً جزء من مصنع «زيل» السابق للسيارات.
العقوبات الغربية
ويطرح التوجه الروسي لتوسيع الإنفاق على البنية التحتية تساؤلات عن الهدف من إطلاق مشاريع عملاقة في الوقت الذي تعاني فيه صعوبات اقتصادية بسبب العقوبات الغربية الاقتصادية وانخفاض أسعار النفط وهروب رؤوس الأموال .
وإن كانت إحدى النظريات الاقتصادية تنصح بالتوسع في الإنفاق على البنى التحتية أيام الأزمات حتى تكون المشاريع مكتملة عندما تعود الدورة الاقتصادية للنهوض بحيث تتم الاستفادة من تلك البنى في النمو الاقتصادي القادم.
البوصلة الخليجية
استراتيجية موسكو لمد جسور العلاقات مع دول الخليج العربي متسارعة إذ ما إن انتهى منتدى موسكو العمراني في الرابع عشر من الشهر الجاري.
والذي غازل المستثمرين الخليجيين حتى بدأ في البحرين باليوم نفسه منتدى «حوار روسيا – الخليج» الأول من نوعه والذي استمر يومين بحث فيهما رجال أعمال يمثلون مختلف قطاعات الأعمال الخليجية والروسية سبل تعزيز الشراكة التجارية والصناعية بتنظيم من وزارة التجارة والصناعة الروسية.
وشهد المنتدى عقد العديد من اللقاءات الجانبية بين قطاعات الأعمال الخليجية ونظيراتها الروسية التي شملت بحث الفرص الاستثمارية المتاحة للتعاون في البنية التحتية والمشاريع التنموية والتصنيع والزراعة والطاقة والتمويل الإسلامي كما تم استعراض سبل تعزيز العلاقات والروابط التجارية بين دول الخليج وروسيا.
استكشاف الفرص
لا يبدو غريباً وفق التوجهات الروسية الحالية بدء المصرف الروسي «فنيش ايكونوم بنك» دراسة مبادئ التمويل الإسلامي في دول الخليج العربي ليكون جاهزا للدخول في هذا السوق.
ووفقاً لإدارة المصرف الروسي فإن المصرف يعتزم إرسال فريق إلى دول الخليج العربي لدراسة مبادئ التمويل الإسلامي ..
حيث إن إصدار السندات الإسلامية سيصل بحسب خبراء إلى 165 مليار دولار في العام المقبل وقيام المؤسسات المالية الروسية بإصدار الصكوك يتطلب إجراء تغييرات في تنظيم القطاع المصرفي وتم إدراج مصرف «فنيش ايكونوم بنك» في قائمة العقوبات الغربية بعد موقف روسيا من الأزمة الأوكرانية.
85.2 مليار دولار حجم نزوح الأموال من الاتحاد الروسي في 9 أشهر
تعاني روسيا من انخفاض احتياطي النقد الأجنبي بسبب هروب رؤوس الأموال ومشكلات وصول دائني الشركات إلى الأسواق الدولية، وقد بلغ نزوح رؤوس الأموال خلال تسعة أشهر فقط هذا العام نحو 85.2 مليار دولار، كما أدى ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية إلى انخفاض احتياطي هذه العملات منذ نهاية العام الماضي بمقدار 55.4 مليار دولار ووصل إلى 454.2 مليار دولار.
وعلق رئيس الوزراء ديميتري مدفيديف في حوار مع التلفزيون الروسي على اقتراح الرئيس الروسي بشأن العفو عمن يقرر من الروس الكشف عن رؤوس أمواله في الملاذات الضريبية قائلاً:
“بالطبع يجب وضع النموذج، لكن الحديث لا يجري عن مجرد إجبار الناس على تحويل رؤوس الأموال بحد ذاتها إلى روسيا”، مضيفاً إنه “يجري الحديث عن الإفصاح عنها، وفي حال اتخاذ مثل هذا القرار سيتم سداد الضرائب المستحقة عليها”.
كما تطرق رئيس الحكومة الروسية خلال حديثه إلى حظر الاستيراد من البلدان التي كان لها موقف عدائي ضد روسيا وفرضت عقوبات، معرباً عن ثقته في إمكانية إيجاد بديل في روسيا لكل منتج مستورد بالجودة نفسها. ويرى المحللون في موديز أن أكثر ما يعاني منه الاقتصاد الروسي على المدى القريب هو الحد من إمكانية الوصول إلى القروض الأجنبية..
وتفيد هذه الوكالة بأنه إلى جانب نزوح رؤوس الأموال والأسعار المنخفضة للنفط فإن هذا العامل بسبب ضعف الروبل يمثل الخطر الأكبر على احتياطي النقد الأجنبي في روسيا علماً بأنه انخفض منذ بداية العام 11 % وبلغ 454 مليار دولار.
خسائر العقوبات
وأعلن وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف بداية ديسمبر الجاري بأن الحجم العام للخسائر التي سببتها العقوبات الجيوسياسية على روسيا بلغ 40 مليار دولار كما تخسر روسيا ما بين 90 – 100 مليار دولار سنوياً عند انخفاض أسعار النفط بنسبة 30 %. ويرى الخبراء الروس أن ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة الروبل يعدّان من الآثار غير المباشرة لهذه العقوبات.
القدرة الشرائية
وأدى تراجــــع سعر صرف الروبل إلى انخفاض القدرة الشرائية لدى الروس، ويتضح ذلك من توقعات وزارة التنمية الاقتصادية، فقد هبط سعر صرف الروبل مقابل الدولار واليورو خلال الشهرين الأخيرين بنسبة 50 % تقريباً، وبحسب بيانات الوزارة نفسها، فإن عدد الفقراء (الذين يقعون تحت الخط الأدنى للمعيشة) سوف يرتفع إلى حده الأقصى خلال السنوات الأربع الأخيرة وسيبلغ 11.7 %.
ولكن مع الأوضاع الاقتصادية الحالية يزداد التأخر في تسديد أقساط القروض الممنوحة للسكان، وبحسب بيانات مصرف روسيا المركزي الصادرة في 3 ديســــمبر الجاري، فإن نسبة التأخر بتسديد أقساط القروض لبعض الفئات وصلت في الأول من نوفمبر الماضي إلى 7.9 %.
علماً بأنه سُجل مؤشر مماثل في الأول من فبراير 2011، وورد في بيانات المصرف أيضاً أن ارتفاع نسبة تأخر دفع الديون مرتبط بتدهور الحالة المادية لدى السكان وغالباً ما تكون بسبب التأخر في دفع الرواتب والأجور، بالإضافة إلى انخفاض المداخيل وفقدان العمل علماً بأن معظم القروض مسجلة بالروبل.
ووفق تقديرات وكالة فيتش، فقد وصلت نسبة القروض المسجلة بالعملة الصعبة في نهاية سبتمبر المنصرم إلى 17 % من نسبة جميع القروض التي منحتها المصارف، مشيرة إلى أن جميع هذه القروض تقريباً تعود للشركات ورغم تراجع سعر صرف الروبل إلا أن الروس يستمرون بالاحتفاظ بمدخراتهم بالروبل.