بقلم (جوني منير- “الجمهورية”)
الهدوء الأمني قد لا يعكس حقيقة المشهد بأبعاده الفعلية، لا بل هناك مَن يُريد ومن خلال هذه الصورة خداع الجيش والأجهزة الأمنية لتوجيه ضربة مباغتة في موعد قريب.
صحيحٌ أنه حالما شعَرت الأطراف المتحاربة في سوريا بأنّ هناك حظوظاً جدية لعقد مؤتمر مصالحة في موسكو، باشرت في تعزيز أوراقها لتحسين مواقعها التفاوضية، وهو ما يُفسّر تحرّك الجبهات وتحقيق تقدّم على الارض لهذا الفريق او ذاك، إلّا أنّ ما حصل في جرود القلمون لجهة سيطرة “داعش” الكاملة على حساب “النصرة”، يؤشر إلى تطوّرات كبرى مرتقبة.
فما كانت تَسعى إليه القوات النظامية السورية ومجموعات “حزب الله” لناحية محاصرة المجموعات المتطرّفة في جرود القلمون امتداداً الى عرسال وتركها تواجه “جنرال الثلج”، لتصل الى فصل الربيع منهكة ما يُسهّل تنفيذ حملة عسكرية تقتلعها، هذا الواقع طوَّرته “داعش” لمصلحتها.
فهي استقدمت عبر جرود عرسال وعلى ظهر “البغال والحمير”، ما يمكّنها مواجهة قساوة الطبيعة واستفادت من المناخ القارس لتجعله عنصر حماية لها من أيّ هجوم محتمل، وكون “داعش” تُدرك أهمية جبال القلمون لناحية تحكّمها بالداخل اللبناني عبر عرسال، فهي قرّرت على ما يبدو الإمساك بكامل الجبهة قبل الانطلاق تجاه البقاع الشمالي مرّة جديدة، وجعل فصل الشتاء صعباً على الأهالي.
فقد رصدت الأقمار الصناعية الاميركية حركة غير “مطمئنة” لهذه المجموعات، وجاءت المعلومات الميدانية لتؤكد لها أنّ العمل جارٍ لتنفيذ ضربة كبيرة خلال الاعياد. ووفق مبدأ التعاون الامني، أبلغت السلطات اللبنانية ما لديها من معلومات.
وحسب المعلومات فإنّ “داعش” التي لم تُسقط من مخططاتها إمكان التمدّد للوصول الى الشاطئ اللبناني على رغم الضربة القاسية التي نفّذها الجيش بنجاح في طرابلس والضنية وعكار، فإنّها تتحضّر لهجوم مباغت وكبير في المنطقة الجردية لعرسال.
لكنّ الأخطر، ما أشير اليه عن ضرورة تزامن هذا الهجوم مع تنفيذ تفجير في الداخل اللبناني يهدف الى تشتيت انتباه القوى الامنية قبل أن تنطلق مجموعة لمهاجمة سجن رومية وإطلاق الموقوفين.
ووفق هذه المعلومات، من المفترض أن تشهد فترة الاعياد خصوصاً ليلة رأس السنة، تراخياً أمنياً بسبب الإجازات، ما يجعل الظروف مثالية لتنفيذ الضربة، فيما سيُضاعف وجود الناس على الطرق من البلبلة وسيُقيّد حركة الأجهزة الأمنية.
وعدا سيطرة “داعش” على جبال القلمون على حساب “النصرة”، فإنّ مؤشرات عدة تصبّ في هذا الاطار:
– تعيينات جديدة بطلب من قيادة “داعش” بحيث حلّت كوادر قتالية مكان الكوادر الحالية.
– تحريك ملف العسكريين المخطوفين من خلال اعتراف التنظيم للمرة الاولى بوسيط في هذا الملف منذ بدء هذه الازمة، وهو ما يعني دفع الدولة اللبنانية إلى الاعتقاد أنّ المرحلة هي مرحلة تفاوض لا أعمال عسكرية.
– الاستعلام عن جميع أهالي العسكريين وتركيبة تحرّكهم، ما يوحي بوجود نيّة لدفعهم إلى خطوة معيّنة تخدم مخططهم.
وتؤكد مصادر مطلعة أنّ السلطات اللبنانية المختصة باشرت وضع الخطط لإجهاض هذا المخطط، وهي لذلك قد تحتجز العناصر الامنية وتلغي الإجازات، وتوجّه اشارات ميدانية بأنّ المخطّط أصبح مكشوفاً وسيتمّ إجهاضه.
وما ضاعف من جدية المخطط، امتلاك “الحزب” معلومات مشابهة.
وصحيحٌ أنّ الاهداف الميدانية للعملية تنحصر بتوجيه ضربة قاسية للدولة اللبنانية وإطلاق موقوفي رومية، إلّا أنّ الاوساط الديبلوماسية الغربيّة تضع أهدافاً أخرى لها علاقة بتوجيه رسائل سياسية.
ذلك أنّ التفاهم الاميركي – الايراني بدأ يرخي بنتائجه على لبنان. فالحوار السنّي- الشيعي سينطلق قبل رأس السنة، والهجمة الديبلوماسية على لبنان خصوصاً عبر الموفد الفرنسي تهدف لإنجاز تسوية لبنانية تؤدي الى انتخاب رئيس جديد تحت ظلال المناخ المستجد بين واشنطن وطهران.
من هنا رسالة “داعش” ضدّ حلفاء فرنسا في لبنان، “الحريري، جنبلاط، وجعجع”، التي تهدف إلى توجيه رسالة اعتراض مسبقة ضدّ التقارب الاميركي- الايراني وضدّ استثمار ذلك على الساحة اللبنانية.
بما معناه أنّ هناك أطرافاً كبيرة تريد استعمال “ارهاب داعش” لاثارة الشعب، وهو ما يُعزّز اقتناع البعض بأنّ إحباط هذا المخطّط لن يعني اجتياز الخطر، بل ربما حصول اغتيالات موجعة تطاول شخصيات يؤثر غيابها في إجهاض المناخ الجديد. وفي أيّ حال لا بدّ من ملاحظة النشاط الارهابي الخارجي للمتطرفين بدءاً من اوستراليا، وصولاً الى اوروبا.
وتقول مصادر فرنسية إنّ حالات طعن بالسكاكين واعتداءات تحصل في باريس لها طابع ارهابي، وهو ما يُفسّر إطلاق الشرطة الفرنسية النار على أحد المهاجمين، ما يعني معالجة أشبه بمحاكمة ميدانية لواقع قادر على أن يتمدّد بسرعة ليصيب بالعدوى الجالية الإسلامية الواسعة في اوروبا.
حوادث تفضل السلطات الاوروبية عدم الاعلان عنها، ولو أنها تضعها في حال قلق واستنفار وتجعلها تفتح عيونها أكثر على الساحة اللبنانية.