مؤسسات قلّصت نشاطها.. و5.7 مليارات دولار الديون المشكوك بتحصيلها
يقفل العام 2014 على جملة نتائج ومؤشرات سلبية في القطاعات الاقتصادية والمالية، مع تسجيل بعض الخروقات المنفردة في قطاعات محددة، مثل المبيعات العقارية القائمة على القروض السكنية المحدودة، عبر الحوافز التي قدمها مصرف لبنان مع المصارف، وهي خطوات تستهدف شراء الوقت. في النتائج، لم يكن العام 2014 جيداً حتى في القطاع المصرفي، الذي تراجع نمو ودائعه بحوالي 17 في المئة، وهي سجلت خلال العام 2014 حوالي 6 مليارات دولار، مقابل حوالي 7.3 مليارات دولار للشهر ما قبل الأخير من السنة الماضية. أرباح القطاع تراجعت حوالي 2.7 في المئة، وهي بالكاد تسعى للمحافظة على استقرار الأرباح كما كانت في العام 2013. وهو أمر لن يكون سهلاً.
تراجع مثلث النمو
مثلث النمو الاقتصادي ضُرب مباشرة، حيث تراجعت الصادرات اللبنانية أكثر من 20 في المئة. وسجل ميزان المدفوعات عجزاً بقيمة 808 ملايين دولار، على الرغم من استحضار المصارف حوالي 2.5 مليار دولار من موجوداتها في الخارج، سعياً وراء التوظيف لدى مصرف لبنان، نتيجة انعدام التوظيف الخارجي والداخلي. كذلك تضرر القطاع السياحي وضرب كثيرا نتيجة الظروف الأمنية والسياسية.
أما المشاريع الجديدة والاستثمارات فهي تراجعت أكثر من 60 في المئة، ومعها ضربت فرص العمل مصحوبة بمنافسة اليد العاملة السورية، نتيجة النزوح غير المنظم في سوق العمل. أما النمو الكبير للدين العام ( حوالي 9.7 و10 في المئة خلال العامين 2013 و2014 ) وتخفيض تصنيف لبنان من قبل مؤسسة «موديز «، فإن نتائجه ستظهر في صعوبة تمويل احتياجات الدولة في العام المقبل.
الكلام الاقتصادي الحالي ينصبّ على كيفية أن لا يكون العام 2015 أسوأ من حيث النتائج الاقتصادية والاجتماعية في غياب الحد الأدنى من الاستقرار الأمني والسياسي.
أما شكاوى المؤسسات والتجار من تراجع المبيعات فهو ينعكس على حركة الديون المشكوك بتحصيلها، والتي ستفوق 5.6 مليارات دولار نهاية العام 2014، نتيجة عجز بعض المؤسسات وامتناع بعضها عن تسديد الديون المتوجبة عليها للمصارف، وهذا هو العنوان الذي يجري البحث لمعالجته بين المصارف ومصرف لبنان والقطاعات المدينة، تلافياً لعمليات إفلاس وإقفال.
غير أن الإيجابية الكبيرة تكمن في أن سيولة القطاع المصرفي ما زالت كبيرة، وهو يتشدد في تكوين المؤونات وعمليات الإقراض، تطبيقاً للمعايير الدولية، وهو يحتفظ حالياً بموفورات تفوق 57 مليار دولار تقريباً، وهي احتياطات لمواجهة الصعوبات في حال حصولها.
أكد رئيس «جمعية مصارف لبنان» الدكتور فرانسوا باسيل لـ «السفير» أن العام 2015 سيكون صعباً من حيث النتائج المالية والاقتصادية، بعدما كانت نتائج العام 2014 مقبولة، من حيث نشاط القطاع المصرفي، الذي يملك احتياطات وسيولة كبيرة. مشيراً إلى أن القطاع يقوم بتكوين مؤونات، لا سيما أن مصرف لبنان يشعر بأن بعض المؤسسات بدأت تتعب من الوضع الصعب، ونحن نبحث في موضوع تقليص وتسهيل بعض القيود.
وقال باسيل إن القطاع المصرفي سليم من حيث الملاءة والسيولة، على الرغم من تراجع معدلات نمو الودائع والموجودات، مقارنة بالعام 2013. مؤكداً استمرارية المصارف في تمويل احتياجات الدولة في حدود الاستحقاقات. متوقعا تراجع ربحية المصارف نتيجة عدم وجود توظيفات في القطاعات الاقتصادية عامة. ولمّح باسيل إلى أن بعض المؤسسات بدأت بصرف موظفيها نتيجة الوضع الاقتصادي ونتيجة تقليص أعمالها. وقال إن المصارف لا تستطيع زيادة توريط نفسها في إقراض عجز الدولة والخزينة، إذا لم تتم عملية تفعيل المؤسسات، وتغييرات جذرية في أداء هذه المؤسسات، لا سيما مؤسسات الرقابة وتعزيز دور مجلس الخدمة المدنية لتفعيل الإدارة العامة. من هنا لا يستطيع القطاع المصرفي تمويل الدولة لتكبير عجزها فقط، من دون عمليات تحسين الظروف المالية.
وقال إن هناك مصارف تكتتب حالياً بما يوازي حوالي 150 في المئة من أموالها الخاصة. وهناك مصارف أكثر من ذلك، وهي لا تستطيع أن تزيد اكتتاباتها. وإذا لم تزد الودائع زيادة معينة خلال العام 2014، فإن عملية إقراض الدولة ستتأثر من دون شك.
إشراك القطاع الخاص في الاستثمار
من هنا يجب أن تفكر الدولة جدياً في إشراك القطاع الخاص في المشاريع الاستثمارية والمؤسسات العامة، لا سيما قطاع الكهرباء والبنى التحتية عامة والخدمات لتحسين إنتاجيتها وعائداتها من جهة، ولتخفيف عجز الدولة ومساهمتها من جهة ثانية. كذلك يجب أن تفكر الدولة وتعمل فوراً على معالجة قضية الموظفين والمتعاقدين، بما يحسن الإنتاجية ويوقف الهدر قدر الإمكان.
وبالنسبة إلى تراجع التسليفات إلى القطاعات، يقول باسيل: إن المصارف تتشدد في عمليات الإقراض نتيجة الظروف العامة وحفاظاً على سيولتها وتلافياً لانعكاسات التراجع الاقتصادي، مؤكداً أن بعض المؤسسات تشكو صعوبات من جراء تراجع النشاط الاقتصادي عامة.
في الخلاصة، يبقى وضع القطاع المصرفي سليماً، ويحقق النمو، ولو بمعدلات أقل، وهو إلى ذلك ما زال الممول الأساسي للقطاعات الاقتصادية، بحوالي 50 مليار دولار، إضافة إلى حوالي 37.5 مليار دولار التسليفات للدولة، بزيادة حوالي 750 مليون دولار خلال العام 2014. وهو يحتفظ بمعايير وسيولة تفوق طلبات وشروط (بازل-3). وهو قادر على تجاوز المزيد من الصعوبات والأزمات المتربصة بالقطاعات للعام 2015، بعدما اكتسب مناعة خلال سنوات الأزمات السابقة.
تقلّص موجودات المصارف العاملة في الخارج
اضطرت المصارف اللبنانية العاملة في الخارج، إلى استحضار حوالي 2.5 مليار دولار من موجوداتها الخارجية، وإيداعها لدى مصرف لبنان مقابل فوائد، نتيجة تراجع المردود على الإيداع في الخارج، من جهة، وعدم وجود توظيفات في القطاعات، تؤمن العائد على كلفة هذه الموجودات. وهذه الخطوة خففت من عجز ميزان المدفوعات خلال العام الحالي، والذي بلغ حوالي 868 مليون دولار في عشرة أشهر، مقابل عجز قدره حوالي 1470 مليون دولار للفترة ذاتها من العام 2013. نتيجة تراجع نمو الودائع والموجودات المصرفية، خلال العام الحالي بما بين 17 و26 في المئة.
وفي مقارنة نسب النشاط المصرفي في الخارج، بحجم الودائع في لبنان، فإنها تطورت منذ العام 2010 وحتى اليوم على الشكل الآتي:
– تشكل أحجام المصارف اللبنانية في الخارج حوالي 10.3 في المئة من حجم الودائع الإجمالية للقطاع المصرفي اللبناني، البالغة حوالي 169.7 مليار دولار حالياً.
– كانت هذه الموجودات خلال العام 2013 حوالي 15 في المئة. بما يعني أنها تراجعت حوالي 4.7 في المئة خلال العام الحالي.
وكانت هذه الموجودات خلال العام 2012 تشكل حوالي 17.8 في المئة، من إجمالي الودائع المصرفية، وفقاً للميزانية المجمعة للقطاع. أما في العام 2011 فكانت هذه الموجودات تشكل حوالي 19.2 في المئة، متراجعة من حوالي 23.4 في المئة خلال العام 2010. بمعنى آخر، فإن الودائع المصارف في الخارج تراجعت أكثر من 12 في المئة بين العام 2010 وحتى العام 2014 سعياً وراء الفوائد.