Site icon IMLebanon

تراجع أسعار النفط يكشف تحديات سياسة التسعير

OilPricesDown2
أندرو هيل

“محاولة توقع الطلب والعرض وأسعار النفط في سوق اليوم هي مثل محاولة طلاء أجنحة طائرة وهي تُحلّق. حتى لو نجح أحد ما في تغطية الموضوع، يبقى من غير المرجح أن يكون ذلك عملاً مرتبا”.

هوارد كوفمان، رئيس شركة إكسون في ذلك الحين، كان يتحدث في عام 1982، عندما تراجع سعر النفط الخام عن مستواه المرتفع ما بعد صدمة النفط، لكن تعليقاته ربما تنطبق اليوم أيضاً، مع ضعف الأسعار وتحول النقّاد الذين حذروا من “ذروة النفط” قبل عام أو عامين، إلى القلق بدلاً من ذلك، بشأن “ذروة الطلب”.

شركات النفط الكبيرة لا تؤثر في الأسعار، فالمستوى الذي تبيع به منتجاتها وضعته الأسواق إلى حد كبير، لذلك ليس من المستغرب عندما تنخفض الأسعار، أن يكون عليها تعديل التكاليف الأخرى. وبالفعل أعلنت بريتش بتروليوم الأسبوع الماضي، تخفيضات كبيرة وتقليص للوظائف، وقالت كونوكو فيليبس إنها ستحد من الإنفاق الرأسمالي بمقدار الخُمس في عام 2015.

لكن ماذا عن صناع الأسعار، أي الشركات التي يُعتبر النفط واحدا من كثير من المواد الخام اللازمة لمنتجاتها؟ إن التحدّي الذي تواجهه إداراتها هو أكثر تعقيداً.

على الرغم من جهود مختصي الاقتصاد لاختصار مسألة التسعير بحيث تقوم على الأساسيات (ألفرد مارشال استخدم على نحو معروف سوق السمك لتوضيح منافسة “مثالية”) وقرون من التجارب، إلا أنه حتى الشركات الكبيرة يبدو أنها تتعثر أحياناً.

أحد الأسباب هو أن المنظمات استهانت بمبدأ كوفمان عن طريق التحوّل إلى العمل التلقائي وتجاهل خطر أي اضطراب في المستقبل. بعد فترة طويلة من استقرار السلع في التسعينيات، بعض المديرين نسوا ببساطة كيفية ضبط أواني الطلاء أثناء الطيران، بحسب أحد التنفيذيين السابقين في شركة متعددة الجنسيات. فقد وقعوا في وجهة نظر متهاونة مفادها بأن تكلفة السلع الأساسية قابلة للتنبؤ، والأسعار متوقعة وفقاً لذلك، وبالتالي عانى هؤلاء عندما أصبحت أسعار المواد الخام غير متوقعة.

الحل العادي المتوقع لمسألة كيفية تخفيف تقلّب السلع هو التحوّط، لكن التحوّط قد يكون لعبة خطيرة إذا لم يكُن هو نشاطك الأساسي. في عام 2012 قامت شركة دلتا للطيران في الواقع بشراء مصفاة بالقرب من فيلادلفيا، في إطار جهودها لإدارة أسعار الوقود. هذا القرار حيّر بعض المحللين، حتى إن أحدهم قال إن الأمر كان “مثل قيام حاخام بشراء كنيسة”. وقالت شركة دلتا في الأسبوع الماضي إنها، جزئياً نتيجة استراتيجيتها غير التقليدية، توقعت أن يؤدي انخفاض أسعار الوقود إلى تحقيق منافع في صافي التكاليف السنوية تبلغ 1.7 مليار دولار. لكن بعض النقّاد لا يزالون يعتقدون أن مناورة بشراء المصفاة – التي تمت عندما كان النفط مُكلفاً – لن تعمل بالجودة نفسها الآن، لأن أسعار النفط الخام واهنة.

على الأقل شركة دلتا تحاول. فرانسيسكو باروسي، من شركة أليكس بارتنرز الاستشارية، يقول إن معظم الشركات “تنظر إلى الماضي، بدلاً من النظر إلى المستقبل”. عدد قليل جداً من الشركات بارعة في كل من التسعير التكتيكي، الذي يعتمد على إدارة العقود والطلبات الحالية، والتسعير الاستراتيجي، الذي ينطوي على مراقبة الأفق. ومعظم الشركات تتجاهل حتى المعلومات الداخلية القيّمة من الزبائن والموردين التي بإمكانها السماح لها بتوقع التقلّب وتكون أقل اعتمادا على ردود الفعل.

إن معرفة النتائج المترتبة على التحوّل في تكاليف المواد الخام تبقى غير مكتملة. بعض الشركات تدرس التأثير المحتمل فقط على أبرز ثلاثة منتجات لديها، وبعضها ينظر إلى محفظتها بالكامل، وبعض آخر يبقى في الظل. ووفقاً لأحد كبار الإداريين الماليين، الآن الركود والمنافسة عبر الإنترنت وضعا التسعير على رأس جدول أعمال مجلس الإدارة في شركات التجزئة. لكن شركة أليكس بارتنرز تعتقد أن أقل من نصف الشركات توكل تحليل الأسعار والتفاوض حولها بين أيدي فريق عمل كبير مختص.

مثل هذه الهفوات مثيرة للدهشة؛ لأن تسعير المنتجات بطريقة صحيحة هو إحدى الضرورات الأساسية للأعمال. واحدة من المتع الكبيرة في مشاهدة برنامج “المتدرب المبتدئ” هي مشاهدة كيف يقوم المبتدئون بإفساد الأمر. في إحدى الحلقات الأخيرة من النسخة البريطانية، تنافست الفِرق لصناعة شمع (في شكله التجاري يعتمد على شمع البارافين، وهو منتج ثانوي للنفط). لذلك وصف استراتيجياتهم للتسعير بالساذجة سيكون بمثابة تهوين بالغ. في النهاية، المرشحون الذين صنعوا منتجا أفضل تمت هزيمتهم هزيمة ساحقة؛ لأن خصومهم، على الرغم من ارتكاب عديد من الأخطاء التي تدل على الحمق، استخدموا مكونات أرخص وباعوا شموعهم بهامش ربح أعلى.

بعض شركات التصنيع ستصبح محظوظة مع تراجع أسعار النفط الخام. ربما يكون بمقدورها المحافظة على الأسعار وتسجيل هامش أعلى. تهانينا لها إذا تم التفكير في هذا القرار بصورة شاملة وعميقة. لكن إذا لم تكن تعلم، ناهيك عن أن تتوقع، كيف هبطت الثروة، فأنت تستحق أن تكون في مصاف الفاشلين في برنامج “المتدرب المبتدئ”: لستَ من الذين يؤثرون في السعر، وإنما أنت مزور له، وفي النهاية سيتم كشف خدعتك، وستدفع ثمنا باهظا نتيجة لذلك.