جيليان تيت
قبل بضعة أسابيع طلب كلوديو بوريو من المستثمرين أن يتنبهوا للتهديد الذي تشكله اختلافات العملات. في الأعوام القليلة الماضية لاحظ كبير الاقتصاديين في مصرف التسويات الدولية أن الشركات في أماكن مثل روسيا، والصين، والبرازيل والهند زادت بسرعة عمليات الاقتراض، لا سيما بالدولار. ومع أن أحدا لم يشعر بالقلق من هذا الأمر إلا في الفترة الأخيرة ـ إذا ارتفع الدولار فجأة، أو حين يرتفع ـ فإن كومة الديون هذه يمكن أن تؤدي إلى صدمات، طالما أن الكثير منها تتم خدمتها من خلال العائدات بالعملات المحلية.
قال بوريو، “مع الأسف، هناك القليل من الأرقام عن حجم ومكان اختلافات العملات. لكن ما نعرفه فعلا هو أن هذه الاختلافات يمكن أن تكون كبيرة”. وأضاف أنه في حال استمر الدولار في الارتفاع، فإن المزاوجة بين العملة والتمويل يمكن أن تتعرض للخطر بسبب ارتفاع أعباء الديون.
تبين أن هذا التحذير جاء في الوقت المناسب على نحو يفوق حتى ما خطر على بال بوريو. في الأسبوع الماضي تراجعت أسعار السندات التي تصدرها مجموعة جازبروم الروسية للطاقة، التي تعد واحدة من أكبر مُصدري السندات في الأسواق الناشئة، الأمر الذي رفع العائدات من 6 في المائة في بداية شهر كانون الأول (ديسمبر) إلى ما يُقارب 10 في المائة الآن. ونتيجة لمعاناة الشركات الروسية من آثار انخفاض أسعار النفط وتراجع الروبل، هناك قلق عميق حول كيف ستسدد شركات مثل جازبروم ديونها الخارجية. وتشير الحسابات إلى أن الشركات الروسية عليها نحو 600 مليار دولار من الديون الخارجية في المجموع، لكن العقوبات الغربية عملت على الحد من قدرة المصارف المحلية على توفير التمويل وقدرة المؤسسات غير المصرفية على الاستفادة من أسواق رأس المال العالمية.
وحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تبديد هذه المخاوف يوم الخميس الماضي، من خلال التعهد بدعم العملة والنظام المصرفي. وهذا مكن الروبل من أن يرتفع من أدنى مستوياته التي وصل إليها الأسبوع الماضي. لكن هذا لا يُزيل الخطر الأوسع: ففي حين إن روسيا هي مثال متطرف للمشكلة التي تؤرق مصرف التسويات الدولية، إلا أنها أبعد ما تكون عن كونها معزولة.
لنأخذ الأرقام في الحسبان. وفقا لبيانات بنك التسويات الدولية، يوجد نحو 2.6 تريليون دولار من الأوراق المالية غير المسددة من المقترضين في الأسواق الناشئة، ثلاثة أرباعها تم إصدارها بالدولار. ويعتقد مصرف التسويات الدولية أن شريحة كبيرة من هذه تخدمها العائدات المتحققة بالعملات المحلية، على الرغم من أنه من غير الواضح مقدار المبلغ بالتحديد. إضافة إلى ذلك، قدمت المصارف الدولية قروضا مقدارها 3.1 تريليون دولار تقريبا إلى مقترضي الأسواق الناشئة، مع زيادة كبيرة خاصة في أماكن مثل الصين. هذه الكومة من عمليات الاقتراض مذهلة: فهي تعني أن إجمالي الرفع المالي للشركات في مناطق مثل آسيا هو في الواقع أعلى اليوم، نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، ما كان عليه قبل الأزمة المالية الآسيوية عام 1998، بحسب فرانك نُويْمان، من إتش إس بي سي. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن هذه الأرقام يمكن أن تعمل على التقليل من أهمية المخاطر بما أن كثيرا من شركات الأسواق الناشئة كانت تستخدم وسائط في مناطق الأفشور لجمع الأموال – وهذه التدفقات لا يتم تعقبها دائما.
ويعتقد مصرف التسويات الدولية أن نحو نصف الأوراق المالية التي تم بيعها بين عام 2009 وعام 2013 من قِبل الشركات في الأسواق الناشئة، إلى جانب كمية كبيرة من القروض، كان يتم توجيهها عبر شركات في مناطق الأفشور، وليس الشركات الأم في الداخل. هذه الشركات الخارجية عادة ما تحول هذه الأموال من الدولار إلى العملة المحلية وإعادتها إلى المكتب الرئيس. ويعتقد أيضا أن الشركات البرازيلية والروسية والصينية، مثلا، أوجدت نحو 35 مليار دولار من هذه التدفقات الداخلية فيما بين الشركات في الربع الأول من عام 2013 وحده. لكن هذه التدفقات غالبا ما يتم تسجيلها في بيانات مثل “تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر”، وليس السندات. إذن، الخطر هو أن الشركات قد تتعرض لخطر اختلافات العملة الذي لن يصبح واضحا إلا في وقت لاحق.
أحد الحلول لهذا الوضع هو أن المساهمين الغربيين يجب أن يقوموا بعمل أفضل في التدقيق على اختلافات مطلوبات الأصول التي تخلقها شركات الأسواق الناشئة خلسة. هذا قد يبدو واضحا تماما، لكن من المدهش الطريقة التي تم تجاهلها بها على نطاق واسع، أثناء إقبال المساهمين الغربيين على أصول الأسواق الناشئة خلال بحثهم المستميت عن العائدات.
الحل الثاني هو أن مجموعة العشرين، التي تتألف من أبرز الاقتصاديات العالمية، بحاجة إلى أن تكون أكثر نشاطا في المجال الاستباقي حول إكراه الشركات على أن تكون أكثر شفافية بخصوص تمويلها الذي يأتي من مناطق الأفشور. إحدى الطرق للقيام بذلك هي مساندة جهود تبذلها منظمات من قبيل OpenCorporates، وهي قاعدة بيانات مقرها في لندن، تعمل على إنشاء سجلات عامة تتعلق بالكيفية التي ترتبط بها الشركات التابعة بالشركة الأم، حتى في الحالات التي تكون فيها الأسماء مختلفة تماما. وهناك خيار آخر هو أن يتم تسريع قرار يجري ترويجه من قبل مكتب الأبحاث المالية في الولايات المتحدة وغيرها من الحكومات الغربية، لإنشاء قاعدة بيانات للشركات تعرف باسم “مُعَرِّف الهوية القانونية”.
ومهما كان الحل، ينبغي أن ننتظر إلى جيشان الأسبوع الماضي على أنه تنبيه للحكومات والمستثمرين على حد سواء. وهو يعد نذيرا يجب الإنصات إليه قبل فترة لا بأس بها من قيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة فعليا.