Site icon IMLebanon

البطالة من أسباب «الربيع العربي»… ونتائجه

EgyptEcon5
عدنان كريمة

انعكست ثورات «الربيع العربي» في شكل سلبي على سوق العمل، ما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة في البلدان العربية بنسبة ثلاثة في المئة، وذلك من 14 في المئة عام 2010 إلى 17 في المئة عام 2013، ووصل عدد العاطلين من العمل إلى أكثر من 20 مليوناً، وفق إحصاءات منظمة العمل العربية.

وفي الوقت ذاته، أدى تراجع مؤشرات النمو في دول «الربيع العربي» إلى تزايد عجز الموازنة وتدهور الميزان التجاري والاحتياط النقدي وتراجع قيمة العملات الوطنية وارتفاع معدل التضخم وكلفة المعيشة، وكلها عوامل سلبية ساهمت في تفاقم مشكلة الفقر وزيادة عدد الفقراء، حتى ان دولاً عربية انتقلت من وضعية الفائض المالي إلى وضعية العجز في الموازنة بسبب جهود الإنفاق لضمان الاستقرار الاجتماعي وما تلاه من تعثر اقتصادي وصعوبات في المناخ السياسي والأمني. ولوحظ ان معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي العربي انخفض من 4.7 في المئة عام 2010 إلى 3.3 في المئة عام 2013، مع تقدير استمرار التراجع إلى 2.8 في المئة عام 2014، بسبب استمرار الأوضاع السلبية، واللافت في الأمر ان هذه الأرقام تشمل دول مجلس التعاون الخليجي الغنية بالنفط والتي تشهد حركة استثمارات ضخمة، خصوصاً لجهة تمويل مشاريع مشتركة في المنطقة العربية.

وتختلف المؤشرات السلبية بين دول «الربيع العربي» باختلاف أرقامها. ففي تونس بلغت نسبة البطالة 16 في المئة، ونسبة الفقر أكثر من 24 في المئة، في مقابل 18 في المئة قبل أربع سنوات، وفي ليبيا تسجل البطالة 15 في المئة، في حين يرتفع عدد العاطلين من العمل في القطاع الحكومي، علماً أن ليبيا أنفقت نحو 70 في المئة من موازنة عام 2013 على رواتب موظفي القطاع العام والدعم الحكومي، وبلغ فائض الملاك الوظيفي 400 ألف شخص بنسبة سبعة في المئة من سكان ليبيا. أما في اليمن فنسبة البطالة بين الشباب تصل إلى نحو 60 في المئة، ويعيش 54 في المئة من اليمنيين تحت خط الفقر، ويختلف الوضع في مصر التي يصل فيها المعدل العام للبطالة إلى 14.3 في المئة، وتتجاوز النسبة بين الشباب 30 في المئة، بينما يعيش أكثر من 27 في المئة من المصريين في فقر مدقع، ويشكو الاقتصاد من تراجع معدل النمو إلى اثنين في المئة، في حين ان المطلوب تحقيق نحو سبعة في المئة لمواجهة الفقر والبطالة.

سورية

وتبقى المشكلة الأخطر في سورية التي لا تزال تعاني ويلات الحرب منذ بداية 2011، حيث انضم إلى صفوف البطالة أكثر من 2.67 مليون سوري، ما يعني ان 11 مليون شخص من المعالين قد فقدوا سبل الدعم المالي الأساسية. ومع تدهور سعر صرف الليرة، سجل التضخم قفزات كبيرة فبلغ 55.2 في المئة عام 2012، ثم ارتفع إلى 90 في المئة نهاية 2013، ويُتوقع ان يتجاوز 120 في المئة للعام 2014 ككل. وكنتيجة طبيعية لهذه التطورات، تبرز خطورة تحديات الفقر، إذ أفاد تقرير للأمم المتحدة بأن نصف سكان سورية البالغ عددهم 23 مليون شخص باتوا تحت خط الفقر، منهم أربعة ملايين تحت خط الفقر الأعلى، ويتوقع ان يصل معدل الخط الأدنى إلى 59.5 في المئة والأعلى إلى نحو 90 في المئة، فيصبح أكثر من 20 مليوناً من السوريين فقراء في 2015.

وكانت سورية نجحت في خفض نسبة السكان الذين يقل دخلهم عن 1.25 دولار في اليوم إلى إجمالي السكان من 7.9 في المئة إلى 0.2 في المئة في الفترة من 1979 إلى 2010، غير ان هذا المشهد تغير جذرياً مع الحرب وسرعان ما ارتفعت هذه المؤشرات نتيجة عوامل أهمها ارتفاع معدلات البطالة بسبب تعطل النشاط الاقتصادي وهروب الاستثمارات وتدهور سعر صرف الليرة، فضلاً عن الخراب والدمار في مختلف مناطق القتال.

وحصلت كل هذه المؤشرات السلبية، على رغم ازدياد هجرة المواطنين من بلدان «الربيع العربي»، خصوصاً مصر وسورية وتونس واليمن، إلى بلدان مجلس التعاون الخليجي التي تشهد حركة استثمارات كبيرة في مشاريع صناعية وسياحية وعقارية ونفطية وزراعية، ساهمت في إيجاد نحو سبعة ملايين وظيفة خلال السنوات الأخيرة، ذهبت ستة ملايين منها إلى الوافدين، في مقابل مليون وظيفة فقط للمواطنين. وتتوقع الخطط الاستثمارية الجديدة في دول الخليج استحداث نحو ستة ملايين وظيفة خلال السنوات الخمس المقبلة، على ان تكون حصة الخليجيين منها نحو الثلث، أي ما لا يقل عن مليوني وظيفة، وذلك على أساس استمرار الحكومات بالتشدد في تأمين فرص عمل للخليجيين، وتحسين إستراتيجيات العمل، وتطوير مخرجات التعليم وإعادة هيكلة الأجور.

ولم تساعد العوامل الاقتصادية على تنمية التشغيل والحد من البطالة نظراً إلى تواضع معدل الاستثمار الإجمالي الذي لا يتجاوز 23.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية وفق تقرير صندوق النقد العربي (في مقابل 38 في المئة في دول شرق آسيا، مثلاً)، واستقرار معدل الاستثمار الخاص في حدود 14 في المئة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي (في مقابل 29 في المئة في دول شرق آسيا). ومن ضمن العوامل الاقتصادية غير المساعدة على النهوض بالتشغيل تقلبات معدل النمو الاقتصادي، وهو غير قادر على توليد فرص العمل المطلوبة المقدّرة بخمسة ملايين سنوياً لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وامتصاص مخزون البطالة. ومما يلاحظ أيضاً على المستوى الاقتصادي في علاقته بالتشغيل، محدودية قدرة جل الاقتصادات العربية على توفير فرص عمل تتناسب مع التطور النوعي لتركيبة قوة العمل بحكم ارتفاع معدل الالتحاق بالتعليم العالي المقدّر بـ 25.8 في المئة وهي نسبة اعلى من المتوسط في المناطق النامية.

مشكلة مزمنة

وبعيداً من تداعيات الأزمات المالية والاقتصادية الأميركية والأوروبية، وكذلك ثورات «الربيع العربي»، تبدو البطالة في المنطقة العربية مشكلة مزمنة ومتراكمة تعود إلى أسباب أهمها العوامل الدّيموغرافية التي تتسم بارتفاع معدّل النموّ السكّاني (على رغم تراجُعه تدريجاً) والمقدّر بـ 2.4 في المئة سنوياً، وهو ما يفسّر في جانب آخر ارتفاع معدّل الإعالة للشريحة العمرية دون 15 سنة التي تمثّل 33.8 في المئة، وثمة كذلك نمو متواصل للقوى العاملة بمعدّل 3.1 في المئة سنوياً بحكم التزايد السكّاني المرتفع في الأعوام الماضية، ما يزيد من الضغوط على سوق العمل. وإلى جانب التطوّر المتنامي لمعدّل نشاط المرأة المقدّر في المتوسّط العام بـ 20 في المئة بحكم توسّع التعليم والارتقاء بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة، إلاّ ان حصّة المرأة في سوق العمل ظلّت متواضعة وتقدَّر بـ 32 في المئة في المتوسّط العام (في مقابل معدّل عالمي يساوي 40.3 في المئة).